الطمأنينة: يراد بها الثبات في كل ركن من الأركان، أي: الركود، فإذا ركع فلا يرفع حتى يطمئن ويثبت بقدر قول: سبحان ربي العظيم، كذلك الطمأنينة في الرفع، فلابد أن يستتم قائماًً بقدر ما يقول: ربنا ولك الحمد، قبل أن يهوي للسجود.
وكذلك يطمئن إذا سجد ووضع جبهته على الأرض، فلا بد من الطمأنينة عند الركود على الأرض، بقدر قوله: سبحان ربي الأعلى، ولو مرة، وأدنى الكمال ثلاث كما تقدم.
كذلك لا بد أن يجلس بين السجدتين جلسة مطمئناً فيها بقدر ما يقول: رب اغفر لي.
وهذه الطمأنينة دل عليها حديث المسيء صلاته، فإن فيه: (ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً) فذكَّره بهذا الركن في هذه الأركان؛ وذلك لأنه رآه يخفف في صلاته، فأنكر عليه وقال: (ارجع فصل فإنك لم تصل) ، فذكره بأنه لا بد من الطمأنينة في كل ركن.
وخالف في ذلك الأحناف، وتشاهدون الذين يأتون من الباكستان أو من الهند وهم على مذهب أبي حنيفة يخففون الأركان، وبالأخص الرفع، فترى أحدهم عندما يرفع رأسه من الركوع لا يستتم قائماً، بل ينحط للسجود، وساعة ما يرفع رأسه من السجدة الأولى لا يستتم جالساً، بل يسجد السجدة الثانية ولا يطمئن، ويقولون: إن أبا حنيفة لم ير الطمأنينة واجبة، وإنه يرى أنه يحصل مسمى الركن بمجرد الانحناء، وبمجرد الرفع، وبمجرد سجوده ومس جبهته الأرض.
ولكن قال في الحديث: (حتى تطمئن راكعاً) ، وأيضاً ثبت أنه صلى الله عليه وسلم (نهى عن نقر كنقر الغراب) ، وهو الذي ساعة ما ينحني يرفع، فالغراب إذا نقر ينقر بسرعة، فنهى عن نقر كنقر الغراب، كما نهى عن أشياء في الصلاة تشبه فعل البهائم، ونظمها الحافظ بقوله: إذا نحن قمنا إلى الصلاة فإننا نهينا عن إتيانها بستة بروك بعير والتفات كثعلب ونقر غراب في سجود الفريضة وإقعاء كلب أو كبسط ذراعه وأذناب خيل عند فعل التحية ومن جملتها النهي عن نقر كنقر الغراب، وهذا لم ينتبه له الحنفية، وأبو حنيفة معذور لأنه ما بلغه النهي، ولا بلغه الدليل، وأتباعه الذين بلغهم الدليل يجب عليهم أن يقولوا به ولا يتركوه.
ومن الأركان التشهد الأخير الذي يعقب بالسلام، وجلسته، أي: لا يتشهد وهو قائم، بل لا بد من الجلوس، وكذا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها خلاف، بعضهم يراها من الواجبات التي تجبر بسجود السهو، كما مشى على ذلك صاحب الكافي وغيره، والمشهور أنها من الأركان، وتقدم أن لفظها: اللهم صل على محمد إلى آخره.
وهذا يدل على أن الإمام أحمد رحمه الله يؤكد أمر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ويشدد في تركها، وكذلك أتباعه، ومنهم أئمة الدعوة، فإنهم يؤكدون أمر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اشتهر عند أعداء هذه الدعوة نبزهم وعيبهم بأنهم ينهون عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ويمنعونها، فرد عليهم أئمة الدعوة فقالوا: كيف نمنعها ونحن نقول: إنها ركن في الصلاة؟! إنما ينهون عنها في بدع لا زالت متجددة في بعض البلاد، مثل إذا كان الخطيب يخطب فصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال الجالسون كلهم: اللهم صل على محمد، بصوت واحد، فيرتج المسجد، فنهى العلماء عن ذلك، وقالوا: هذا من البدع، وكذلك كان المؤذنون إذا أذنوا، فعندما يرفع صوته بشهادة أن محمداً رسول الله يرفع صوته بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ما ورد، إنما ورد الأمر بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم سراً.
ومن الأركان التسليمتان، والمشهور أن الركن هو التسليمة الأولى، والتسليمة الثانية تعتبر سنة؛ لأنه يحصل بالأولى الخروج لقوله: (وتحريمها التسليم) .
ومن الأركان الترتيب، ومعناه: أن يرتب الصلاة كما هي، فلا يجعل السجود قبل الركوع، ولا يأتي بالرفع من السجود قبل السجدة الأولى، فلو جلس من القيام وقال: هذه الجلسة التي بين السجدتين أجعلها قبل السجدتين، فإنه يعتبر قد خالف ترتيب الصلاة.