قد يكون للقتيل طفل رضيع ابن سنة أو نصف سنة، فإذا رفع الأمر إلى المحاكم قالوا: لا قصاص حتى يبلغ هذا الطفل، فربما يطلب الدية.
فيتوقف القصاص، ثم في هذه الحال ماذا يفعل بهذا القاتل؟ يسجن حتى يبلغ الصغير، أو يقدم الغائب، أو يفيق المجنون، ولو طالت المدة، ومعلوم أنه إذا كان الطفل له نصف سنة فسوف يحبس هذا القاتل خمس عشر سنة إلا أشهراً، ولا شك أن حبسه إهانة له، وذلك لأنه تعدى على مسلم، فيحبس ولا يمكن من الخروج.
وأجاز بعض العلماء إخراجه بكفيل، ولكن الكفالة لا تكون إلا بالحقوق المالية لا في الحقوق البدنية، وذلك لأنه قد يهرب ولا يدرى أين هو، فإذا بلغ الصغير أحضر الكفيل، فهل نقتلك يا كفيل؟ أنت لست القاتل، فلا يقال: أحضر إلينا القاتل وإلا قتلناك؟ لا يجوز أن يقتل الكفيل وهو ليس المعتدي، فلذلك لا تجوز الكفالة إلا لمن عليه حق مالي، كمن عليه دين وأخرج بالكفالة وهرب ذلك المدين، فإنه يحضر الكفيل ويغرم الدين، فأما كفالة من عليه حق بدني فلا يجوز.
إذاً يبقى هذا القاتل في السجن، وإن كان أحد الأولياء غائباً يسجن إلى أن يحضر ذلك الغائب ولو طالت المدة، فإن كان ولد المقتول صغيراً يسجن إلى أن يبلغ الصغير، وإن كان مجنوناً يسجن إلى أن يفيق ذلك المجنون، إلا إذا قرر الأطباء أنه لا شفاء له، وأنه يغلب على الظن أن يبقى على جنونه، ففي هذه الحال يعدل إلى الدية نظراً لحق هذا المجنون، لكن إذا قال أحد إخوته الأصحاء: نحن نعطيه نصيبه من الدية التي ستؤخذ من هذا القاتل، فقد يكون نصيبه منها عشرة آلاف أو عشرين ألفاً نحن نضمنها له، ونريد أن ننتقم من هذا القاتل، نريد أن نقتله، فلا يبقى ونحن ننظر إليه فلهم ذلك.