يقول: [ومن أكره مكلفاً على قتل معين أو على أن يكره عليه ففعل فعلى الكل القود أو الدية] هذا إذا كان قادراً، إذا قال: اقتل زيداً وإلا قتلتك.
فهذا الذي قال: (اقتل) عنده قدرة وتمكن، يقول زيد: أنا مظلوم.
فيقول هذا: أنا مكره على قتلك، إن لم أقتلك قتلوني.
فكيف تقتل إنساناً تعرف أنه مظلوم لأجل أن تحيي نفسك؟! ليس لك ذلك، ففي هذه الحال القاتل المباشر والآمر الذي أكره كلاهما قاتلان، فعليهما القود، وإذا طلبت الدية فعليهما دية واحدة يقتسمانها بينهما.
كذلك لو قال: مر فلاناً يقتل زيداً، وإن لم تأمره فإني سوف أقتلك.
فيكون عندنا الآن ثلاثة: هذا الظالم، وهذا المأمور الأول، والمأمور الثاني، والآمر سلطان أو أمير أو قوي عنده قوة يعرف المأمورون أنه إذا لم يقتلوه قتلوا، ففي هذه الحال يقتل الجميع، يقتل الآمر الأول والآمر الثاني والمأمور؛ لأن كلاً منهم فدى نفسه، قال: أفدي نفسي ولو كنت أعلم أنه مظلوم.
وقد يقول قائل: إني إذا لم أقتله قتله غيري، ثم قتلت أنا، فزيد هذا المظلوم لا بد أنه سوف يقتل، وقد أمروني أنا وإذا لم أمتثل قتلت، وإذا لم أقتله قتلوه فأرسلوا من يقتله، فكونه لا يقتل إلا واحد وهو زيد أولى من أن يقتلونني ويقتلونه مرة أخرى.
هذا قد يكون عذراً لبعض الناس أنه يقول: إني سوف أقتل ثم يقتل زيد، فلا نجمع بين قتلين.
والجواب أن نقول: ليس لك أن تقدم على قتله وأنت تعرف أنه مظلوم، إذا أقدمت عليه فإنك قاتل، بل عليك أن تتنصل، ولو قُتِلت فإنك مظلوم أيضاً وتكون شهيداً، وكذا إذا لم تقتل ولكن تضررت، بأن سلب مالك، أو أدخلت السجن، أو فصلت من عمل، أو شردت ونفيت، فتحتسب ذلك ولا تقدم على قتل مسلم وأنت تعرف أنه مظلوم ولا قصاص عليه ولا سبب.
يقول: [وإن أمر به غير مكلف أو من يجهل تحريمه، أو سلطان ظلماً من جهل ظلمه فيه لزم الآمر] .
إذا كان الإنسان العاقل أمر غير مكلف أن يقتل، أمر صبياً وأعطاه سلاحاً، أو أمر المجنون وأعطاه سلاحاً وقال: اقتل هذا الإنسان فالقصاص على الآمر؛ لأن هذا غير مكلف، مرفوع عنه القلم، كذلك إذا كان المأمور جاهلاً بالحكم لا يدري هل القتل حرام أو حلال، أو لا يدري هل هذا المقتول مستحق أو غير مستحق، ويظن أن هذا الآمر لا يأمر إلا بقتل من يستحق القتل، فهو يقول: أمرني فلان وهو رئيس، وما أظنه يكون ظالماً، أعتقد أنه لا يأمر إلا بحق، فامتثلت أمره اعتماداً على أنه رئيس وأنه ذو سلطة وأنه مأمون، فمكنني وأمرني بقتله، وأنا أجهل أن هذا معصوم، ولا أدري أن قتله محرم.
وهكذا إذا كان السلطان ظالماً أمر جاهلاً ظلمه، فالمأمور يقول: ما كنت أظن أن هذا السلطان ظالم، أظن أنه عادل، فإذا كان عادلاً فلا يأمر إلا بما هو جائز، فالقصاص في هذه الحال على الآمر؛ لأن غير المكلف مرفوع عنه القلم، والذي يجهل تحريم القتل أو تحريم قتل هذا المسلم معذور بجهله، والسلطان الظالم إذا أمر من لا يدري أنه ظالم فإنه معذور.