قال رحمه الله تعالى: [كتاب الجنايات.
القتل: عمدٌ, وشبه عمدٍ, وخطأٌ.
فالعمد يختصّ القود به، وهو أن يقصد من يعلمه آدميًّا معصومًا، فيقتله بما يغلب على الظّنّ موته به، كجرحه بما له نفوذٌ في البدن، وضربه بحجرٍ كبيرٍ.
وشبه العمد أن يقصد جنايةً لا تقتل غالبًا.
ولم يجرحه بها، كضرب سوط أو عصا.
والخطأ أن يفعل ما له فعله كرمي صيدٍ ونحوه، فيصيب آدميًّا.
وعمد صبيٍّ ومجنونٍ خطأٌ، ويقتل عددٌ بواحدٍ، ومع عفوٍ يجب ديةٌ واحدةٌ.
ومن أكره مكلفاً على قتل معين أو على أن يكره عليه ففعل فعلى كل القود أو الدية، وإن أمر به غير مكلف أو من يجهل تحريمه، أو سلطان ظلماً من جهل ظلمه فيه لزم الآمر] .
كتاب الجنايات هو القسم الرابع والأخير من أقسام الفقه؛ حيث إن الفقهاء قسموه إلى أربعة أقسام، فبدؤوا بقسم العبادات لأنه حق الله على عباده، ثم بعد ذلك بقسم المعاملات؛ لأن الإنسان بحاجة إلى تحصيل الحلال من المال لقوته وغذائه، ثم بقسم عقد النكاح وما يستلزمه؛ لأنه بعد تحصيله للقوت والغذاء يشتاق إلى النكاح، ثم بعد ذلك بقسم الجنايات؛ لأن الغالب أن من تمت عليه النعمة يتعدى ضرره إلى غيره بالقتل، أو بما دون القتل من الجنايات.
والجناية: هي التعدي، يقال: جنى على غيره أي: تعدى بقتل، أو نهب، أو جرح، أو قدح، أو غير ذلك.
ولا شك أنه من المحرمات؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام) ، فالله تعالى جعل المؤمنين إخوة، وحرم الاعتداء من بعضهم على بعض، وأمر المسلم بأن يذب عن عرض أخيه المسلم، وأمره بأن ينصره بقوله: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً.
فقيل: يا رسول الله! أنصره مظلوماً فكيف أنصره ظالماً؟ قال: تحجزه عن الظلم) ، فإذا كنت مأموراً أن تنصره فإنك منهي عن أن تضره.
وأشد الضرر الاعتداء على بدنه بقتل أو جرح أو بقطع طرف أو غير ذلك، وهو أعظم الاعتداء، ولذلك ورد في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء) يعني: أول ما يقضى بينهم من الاعتداءات في الدماء، أي: في القتل أو الجراح أو نحو ذلك.
فإن من أعظم الاعتداءات أن يعتدي على مسلم بإراقة دمه.