يقول هنا: (وإن امتنع من وجبت عليه رجع عليه مُنفقٌ بنية الرجُوع) .
صورة ذلك: إذا امتنع الوالد من النفقة على أولاده؛ إما لإعسار؛ وإما لغيبة؛ وإما لسخط على أولاده، وقال: لا أنفق عليكم، موتوا جوعاً.
ثم إن أحد الجيران أخذ ينفق عليهم ويحسب، أنفقت عليهم في شهرٍ كذا ألفاً، وفي الشهر الذي بعده ثمانمائة، وفي الشهر الذي بعده خمسمائة، ففي هذه الحال يطالبه، يقول: رأيتهم كادوا يموتون جوعاً، فرفقت بهم وأنفقت عليهم، وحسبت ما صرفته عليهم، صرفت عليهم كذا وكذا في خبز، وكذا وكذا في أرز، وكذا وكذا مثلاً في قهوة، وكذا وكذا في شاي، وكذا في كسوة، وكذا في لحم، الجميع ألف أو ألفان، فيطالبه، ويلزم الأب بأن يعطيه؛ لأنه أنفق بنية الرجوع، أي: ناوياً أن يرجع على والدهم.
وهكذا غير الوالد، لو أن إنساناً تجب نفقته على أخيه الشقيق، ثم إن الأخ الشقيق الذي هو غني تغيب لمدة شهر، وكان هناك جار له أخذ ينفق عليه ويحسب: أنفقت الأسبوع الأول مائة، الأسبوع الثاني مائتين، الأسبوع الثالث مائة وخمسين، أخذ يحسب عليه، ولما جاء الأخ الذي هو غني قال جاره: أنا أنفقت على أخيك، وهذه أرقام الحساب الذي أنفقته، فأعطني لأني نويت الرجوع.
فيلزم الأخ أن يعطيه؛ لأنه ناب عنه ناوياً الرجوع.
أما إذا نوى التبرع، قال: هذا ضعيف، وليس عنده أحد الآن، وأخوه قد تغيب عنه، أو أخوه حسده وغضب عليه وقطع النفقة عنه، من أين يأكل؟ ومن أين يشرب؟ فرحمه إنسان وتبرع وأنفق عليه وصرف عليه ألفاً أو ألفين، فهل له أن يطالب بها؟ ليس له ذلك؛ لأنه متبرع، نوى بالإنفاق عليه الأجر والرحمة به حتى لا يتضرر.