والمعتدات ستة أنواع، بدأ بالحامل للنص عليها، وعدتها مطلقاً وضع كل الحمل الذي تصير به الأمَة أم ولد، ويشترط لحوقه بالزوج، وأقل مدته ستة أشهر، وغالبها تسعة أشهر، وأكثرها أربع سنين، قال الله تعالى: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4] فمتى وضعت الحمل انتهت عدتها، وإن كان في بطنها توأمان فلا تنتهي العدة إلا بوضع الأخير.
فإن أسقطت سقطاً قد تبين فيه خلق الإنسان انتهت عدتها، وأكثر ما تتبين فيه أربعة أشهر، وقد تتبين خلقة الإنسان في ثلاثة أشهر، وهذا هو الذي تصير به الأمة أم ولد، فالأمة إذا وطئها سيدها، ثم حملت منه وأسقطت، وكان ذلك السقط قد تبينت فيه مفاصله، كأن تبين رأسه، وإن لم تتشقق عيناه، ولم ينشق فمه، وتبينت يداه وإن لم تتشقق أصابعه، وإن كانت اليدان ملتصقتين في جنبه، وتبينت القدمان ولو كانتا لا تزالان ملتصقتين، فإذا تبين فيه هذا الخلق فإن الأمة تصير أم ولد، ولا يجوز له أن يبيعها، بل يستمتع بها بقية حياته، وإذا مات عتقت من كل ماله، فإذا أسقطت المتوفى عنها سقطاً قد تبين فيه خلق الإنسان فإنها تنقضي عدتها، وبطريق الأولى إذا وضعت حملاً لمدة كاملة فإنها تكون قد انتهت عدتها، وسواء طالت المدة أو قصرت.
فلو وضعت بعد أن مات بساعة أو نصف ساعة انتهت عدتها، وجاز لها أن تتزوج، ولو قبل أن يدفن زوجها، ولو كان على سرير التغسيل أو سرير حمله إلى القبر، فالله تعالى يقول: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4] .
وهكذا لو طالت مدته: فلو مات زوجها والحمل نطفة فإنها تعتد حتى يوضع، ولو بقي سنة، فتبقى في الإحداد والعدة، حتى تضع جميع الحمل.
روي عن بعض السلف أنه قال: إنها تعتد أبعد الأجلين، وأبعد الأجلين أقصاهما، إما العدة بالأشهر وإما العدة بالحمل، فمعنى ذلك أنه لو مات وهي في الشهر التاسع فعدتها أربعة أشهر وعشر، وإن مات وهي في الشهر الأول فعدتها التسعة الأشهر كلها.
ولكن الصحيح: أنها تنتهي عدتها بوضع الحمل، سواء طالت مدته أو قصرت.
واشترط لحوقه بذلك الزوج، فإذا تبين أنه لا يلحق به فلا تنقضي عدتها منه، فلو قدر أنه تزوجها وكانت حاملاً من غيره، ومات وهو لا يعلم، ثم إنه توفي وهي حامل، ووضعت حملها بعد ثلاثة أشهر أو شهرين، فهل نلحق ذلك الولد به؟ لا يلحق به؛ لأنه تبين أنه من غيره.
وهكذا لو وضعته دون أقل مدة الحمل، وأقل مدة يوضع فيه الحمل كاملاً ستة أشهر؛ وذلك لأن الله تعالى قال: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف:15] ، ثم قال في آية أخرى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان:14] ، أليس العامان أربعة وعشرين شهراً؟ كم بقي من الثلاثين؟ ستة أشهر، فتكون هي مدة الحمل، هكذا استنبط ابن عباس وغيره.
وغالب مدة الحمل تسعة أشهر، فغالب النساء يلدن لتسعة أشهر، وقد يلدن لأكثر من تسعة، وأكثر مدة الحمل أربع سنين، والغالب أن التي يزيد حملها على تسعة يمتد إلى سنة أو سنتين أو ثلاث، وسبب ذلك مرض الجنين، بحيث إنه إذا مرض لا يتغذى، وإذا لم يتغذ فإنه يبقى ولا يموت جسده، إلى أن ترجع إليه صحته، ثم بعد ذلك يواصل التغذي، ولأجل ذلك إذا لم يتغذ الجنين فإن الدم يخرج كأنه حيض، ولكن ذكروا أن أكثر مدة الحمل أربع سنين، وذكر بعض العلماء أنه قد يزيد، وتبقى خمساً أو ستاً أو ربما إلى عشر والدم يخرج منها، ولكنها تعرف أن فيها حملاً، وذلك الحمل لا ينمو.
وبكل حال: الأصل والغالب والمعتاد تسعة أشهر أو قريباً منها.