ذكر ابن كثير عند تفسير آية الوفاة: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة:234] أن هذه المدة هي التي يمكن للمرأة أن تصبر عن زوجها إذا غاب عنها، وذكر أن عمر رضي الله عنه كان مرة يعس في المدينة، فسمع امرأة غاب عنها زوجها، وكان في الجهاد، وهي قد اشتاقت إليه، سمعها وهي تقول: تطاول هذا الليل وازور جانبه وأرقني ألا خليل ألاعبه ألاعبه طوراً وطوراً كأنما بدا قمراً في ظلمة الليل حاجبه فوالله لولا الله لا شيء غيره لحركت من هذا السرير جوانبه مخافة الله والحياء يصدني وإكرام بعلي أن تنال مراتبه فعلم أمير المؤمنين أنها قد اشتاقت إلى زوجها، فسأل ابنته: كم تصبر المرأة عن الزوج عادة؟ قالت: أربعة أشهر إلى ستة أشهر، فأمر أمراء الغزو ألا يتركوا الإنسان يغيب عن أهله أكثر من ستة أشهر، فلأجل ذلك حدد الله مدة الإيلاء بأربعة أشهر؛ لأن هذا هو الذي يمكن للمرأة أن تتحمله، لكن إذا صبرت أكثر من ذلك فلها ذلك، وأنتم تشاهدون هؤلاء العمال الذين يأتون ويتركون زوجاتهم، يغيب أحدهم سنتين، وربما أكثر، ففي هذه الحالة نقول: إذا سمحت الزوجة بهذا المقدار الذي هو سنتان فلها ذلك، وإذا لم تسمح فإما أن يذهب إليها وإما أن يطلق، والعادة أنها تصبر؛ لأنه ما ذهب إلا لأجل طلب الرزق.
ويوجد بعض النساء لا يرغبها زوجها، ولكنها ترغب في البقاء معه، فهو يخيرها ويقول لها: أنا لا أريدكِ كزوجة، ولا أرغب مجامعتكِ، فلك الخيار: إما أن تبقي ولا تطالبينني بالقسم، وتبقي مع أولادك في بيتك، كلي واشربي ونامي وامكثي مع أولادك، وإما الطلاق واخرجي وتزوجي إذا شئت.
فإذا آثرت البقاء، وأسقطت حقها؛ فلها ذلك، وفي ذلك نزل قول الله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [النساء:128] خافت أن ينشز عنها أو يعرض أو يطلق: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} [النساء:128] تقول: نصطلح على أني أسقط حقي من القسم، وأسقط حقي من الوطء، وأرغب في البقاء في عصمتك حتى أبقى مع ولدي، فلها ذلك.