وقراءة الفاتحة ركن؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ، والمشهور أنها ركن في حق الإمام والمنفرد، وأما المأموم فإنها مستحبة في سكتات الإمام وفيما لا يجهر به، وإذا لم يقرأ بها فإن صلاته تصح ويحملها عنه الإمام، وفيها أيضاً خلاف طويل، وقد ألف فيها البخاري رسالة -يعني: قراءة المأموم- مطبوعة بعنوان: (جزء القراءة خلف الإمام) ، ورجح أنها لازمة للمأموم كما أنها لازمة للإمام والمنفرد، واستدل بعمومات، وناقش من قال: إنها لا تجب على المأموم.
وقراءتها لا بد أن تكون مرتبة، فلا يقدم آية على آية، فلو قال: الحمد لله، الرحمن الرحيم، رب العالمين، أو قال: الحمد لله رب العالمين، مالك يوم الدين، الرحمن الرحيم، بطلت، ولا بد أن تكون مرتبة آياتها، فلابد أن تكون متوالية، فلا يفرق بينها تفريقاً طويلاً.
ويسن أن يقف عند كل آية انتظاراً لجواب الله تعالى، فإذا قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] سكت قليلاً ينتظر قول الله: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] سكت قليلاً ينتظر قوله: مجدني عبدي، إذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] سكت ينتظر قول الله: أثنى عليّ عبدي، إذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] سكت ينتظر قول الله تعالى: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، هكذا ورد في الحديث، والحديث مشهور عن أبي هريرة.
وورد أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم كان يقف على رءوس الآي، واستحب أكثر العلماء أن يقف في قراءته على رأس كل آية؛ وذلك لأنها فصلت عما قبلها، واختلفوا فيما إذا كانت الآية متصلة بما بعدها، ويرجح بعضهم كالشيخ ابن قاسم في حاشيته على الروض: أنه يقف ولو كانت متصلة بما بعدها.
يعني: بعض الآيات لا يصح الوقوف عليها عند القراءة المستمرة، ولكن أحياناً يجب الوقوف عليها للنفس أو نحو ذلك، مثل قوله: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ} [التكوير:1-2] يقولون: لا يقف عليها إلا لضيق النفس، ومثل قوله تعالى في سورة التين: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [التين:5-6] منع بعضهم الوقوف على (أَسْفَلَ سَافِلِينَ) ، ويقول: لا بد من الاستئناف، وأما قوله: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [العصر:1-3] يرخص في ذلك، وبكل حال: الوقوف على رءوس الآية هو الأفضل.
وذكروا أن في الفاتحة إحدى عشرة شدة غير البسملة، فلا بد أن يأتي بالتشديد؛ لأن الشدة تعتبر حرفاً، فلو قال: مالك يوم الْدِيِنْ، أو قال: إيَاَكَ، أو قال: اهدنا الْصِرَاطَ، فإنها لا تنعقد، ويعتبر أخل بالقراءة وترك منها حرفاً.