ذكر المصنف بعض المحترزات، فقوله: (من دخل بها) فإذا طلقها قبل أن يدخل بها فهل له رجعة؟ ليس له رجعة؛ لأن غير المدخول بها لا عدة لها، قال تعالى: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب:49] ، فإذا عقد عليها ثم طلقها قبل الدخول ففي هذه الحال بانت منه، فلو امتنعت وقالت: لا أريده، فلها ذلك، فإذا أرادها فلابد من تجديد العقد؛ لأنه لا عدة لها، ولأنه لا يصح رجعتها؛ لأنها قد بانت منه بمجرد قوله: قد طلقتها، هذا إذا لم يكن دخل بها ولا خلا بها.
كذلك قوله: (أقل من ثلاث) نعرف أنه إذا طلقها الثالثة بانت منه، فلا يقدر على نكاحها حتى برضاها وبعقد جديد، فضلاً عن رجعتها، بل تحرم عليه حتى تنكح زوجاً غيره.
قوله: (لا عوض فيهما) أي: لا عوض في فراق العبد، ولا عوض في فراق الحر، ويدل على أنه إذا كان الطلاق على عوض فلا رجعة، إذا اشترت المرأة نفسها من زوجها وقالت: أنا أشتري نفسي منك بعشرة آلاف، أو بعشرين ألفاً، أو بهذا البستان، أو بهذه العمارة، تريد أن تخلص نفسها، وهو ما يسمى: بالخلع، وقَبل ذلك، فهل يقدر على الرجعة؟ لا يقدر، وما ذاك إلا لأنها ما بذلت المال إلا للتخلص، ولو علمت أنه يستعيدها ما بذلت مالها، فهذه لا يقدر على رجعتها؛ ولأنه ليس لها عدة، وإنما عليها الاستبراء.
وقوله: (ولولي مجنون) إذا كان الزوج مجنوناً، أو أصابه الجنون، أو مرض أخل بعقله، بحيث إنه عادم للشعور، ففي هذه الحال نقول: إن وليه يقوم مقامه.
فإذا طلق عليه الحاكم فلوليه الرجوع، إلا إذا كان طلاق الحاكم فسخاً، وإذا طلقها الولي أو طلقها الزوج في حالة عقل، ثم أصيب بالجنون، فلوليها الرجعة إذا رأى ذلك مصلحة.
وقوله: (ولولي مجنون رجعتها في عدتها مطلقاً) أي -كما قال في التعليق-: سواء رضيت أو لم ترض، فلا يشترط رضاها؛ لأن الطلاق حصل باختياره، ولأنها والحال هذه قد بذلت نفسها؛ ولأنها طلقت وهو أملك بها، فليس لها أن تمتنع، لكن شرط الله تعالى شرطاً في قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} [البقرة:228] ، أما إذا كان راجعها للضرر بها فيحرم عليه، ولو أن الرجعة صحيحة، فحرام عليه أن يراجعها بقصد الإضرار بها؛ لقوله: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا} [البقرة:231] .