من أسباب وقوع الطلاق بين الزوجين

كثيراً ما يحدث الشقاق والنزاع بين الزوجين، يكون أحياناً من الزوج وأحياناً من الزوجة، ويكون نتيجته الطلاق؛ ومن أعظم أسباب ذلك -والله أعلم-: سوء التربية للزوج أو للزوجة، فالزوج مثلاً ينشأ في ترف وفي سرف، وينشأ في مجتمع فاسد يألف اللهو واللعب، ويألف المعاصي والمحرمات، ويشب عليها، فإذا تزوج امرأة حصينة محصنة عفيفة أساء معاملتها أو أضر بها، مما يحملها على بغضه وكراهيته وطلب الطلاق.

أحياناً يسهر مع شلة من جنسه إلى الساعة الثانية أو الثالثة ليلاً، ثم يأتي وهو مجهد، فيلقي بنفسه على الفراش، ولا يستيقظ إلا قرب القيلولة، ويتركها أول الليل وحيدة تذرف عيناها بالدموع، لا تدري أين هو، ليس عندها من يؤانسها، ولا يسمح لها أن تكون عند أهلها، ولا أن تكون عند جيرانها، فهي وحيدة ولا تدري أين هو، هل هو في بئر أو في بطن سبع؛ أو على أي شيء سَهِر؟ وسهره غالباً على معاصٍ، حيث إنه نشأ منذ ترعرع مع أولئك الفاسدين المفسدين، فيسهرون على لعب ولهو، ويسهرون على غناء وطرب، ويسهرون على أعواد وعلى دفوف وعلى طبول طوال ليلهم، وقد يسهرون على خمر وزمر ودخان وما أشبه ذلك، وقد يسهرون على مشاهدة أفلام خليعة عبر القنوات الفضائية، ينظرونها ويشاهدونها عبر الشاشات، ويكون ليلهم ضحكاً وقهقهة وتفكهاً وتسلية، كما يعبرون، وهكذا ينقضي ليله، ولا شك أنها تتألم وتتضرر إذا كانت هذه حالته.

فعلى هذه الحال لها أن تطلب الطلاق، كيف تقيم زمناً طويلاً وهي وحيدة ليس عندها من يؤانسها، ولا من يزيل وحشتها؟!! وهكذا أيضاً كثير من الأزواج يكون سيئ الخلق مع امرأته، فهو يشدد عليها، ودائماً يسبها ويشتم ويثلب ويعيب ويقبح، ويمد يده ويضرب ويؤلم، وينتقدها على أقل شيء مما ينتقد، ويدقق عليها بأي شيء إذا لم تفعله، بحيث إنه إذا جاء مثلاً وتأخرت عن إحضار الطعام قام وسب وأقذع في السب، وبالغ فيه، وتكلم بكلام سيئ يقلق راحتها، ويقض مضجعها، فهذا بلا شك مما يسبب قلقها، حتى لا تصبر، وتطلب الفراق ولو كان ما كان، وتتمنى أن تعيش وحيدة ولا أن تكون قرينة ذلك الزوج.

كذلك مما يسبب الفراق أيضاً أن كثيراً من الأزواج يكون شديداً على امرأته، بحيث يهجرها دائماً، ويغلق عليها، ولا يترك لها متنفساً، فلا يمكنها من زيارة أبويها ولا أقاربها، حتى ولو استدعوها، ولا يمكنها من زيارة أهل فلان كأصدقاء أو جيران لها، فهي دائماً منفردة، مغلق عليها بأشد التغاليق، فماذا تفعل؟ لا شك أنها والحال هذه لا يهنأ لها عيش، ولا يستقر لها قرار، فتكون متمنية دائماً أن تفارقه؛ لأنها تعتبر سجينة، وتعتبر نفسها في أشد الضرر؛ وذلك مما يسبب طلبها الفراق؛ بسبب الصحبة السيئة.

كذلك أيضاً كثير من الأزواج سيئ الظن بامرأته، بحيث إنه يكاد أن يقذفها وأن يرميها بفعل الفاحشة، إذا رآها رفعت السماعة اتهمها أن لها أصدقاء، وإذا رآها خرجت اتهمها أنها خرجت للزنا، أو نحو ذلك، ودائماً يسألها ويحلّفها، وأدنى حركة يظن أنها فعلت مع غيره أو زنت أو نحو ذلك، مع أنها في الظاهر محصنة قد أحصنت فرجها، قد حفظت نفسها، ولكن لشدة ظنه وتشدده يقع منه هذا الظن السيئ، وقد ورد النهي عنه في قوله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث) .

وهناك أسباب أخرى لعلكم تعرفونها أكثر مما ذكرنا.

وأما بالنسبة للزوجة فلا شك أيضاً أنه يحصل منها أسباب تحمل الزوج على الفراق، منها: أن كثيراً من الزوجات نشأت في بيت ترف، وفي بيت إسراف، وفي بيت فساد، قد أعطاها أهلها ما تريد، وقد أطلقوا لها الحرية، وقد مكنوها من كل شيء تتمناه، فهي عند أهلها قبل زواجها تسرح وتمرح، إذا شاءت دخلت الأسواق وحدها أو مع غيرها، ولا تبالي أن تزاحم الرجال، وقد تتكشف وتتبرج أمام الرجال الذين يحتكون بها.

وكذلك أيضاً قد تطول غيبتها عن أهلها، وأهلها قد أطلقوا لها الحرية، وتركوا لها الحبل على الغارب، ومكنوها مما تريد.

ومنها: أن كثيراً من البنات تعيش عند أهلها فيما يسمونه بالرفاهية والتنعم، فهم يجلبون لبناتهم ما يتمنينه، فتجد البنات قد نشأن على سماع الغناء دائماً والتلذذ به، ونشأن على رؤية الصور التي تفتن، فهن دائماً مقابلات لهذه الشاشات التي تُعرض فيها الصور الفاتنة الفاضحة، والمرأة ضعيفة التحمل، فهي قد عاشت على هذه العيشة الشريرة التي عاقبتها سيئة.

ومنها: تمكين أهلها لها من شراء الصور الفاتنة، والمجلات الخليعة التي فيها صور فاتنة هابطة، إذا رآها الرجل أو المرأة اعتقد أن أهلها هم أهل الرقي وأهل التقدم وأهل الحضارة وأهل الثقافة، فتقلدهم، وتفعل كما تفعل أولئك النساء اللاتي صورت صورهن في تلك المجلات متكشفات متبرجات، فماذا تكون حالتها وقد عاشت عشرين سنة أو نحوها على هذه الصور، وعلى النظر فيها؟ لا شك أنها تحب التقليد لأولئك، فهذا من أسباب فساد البنات.

ومنها: أن كثيراً من البنات يمنعهن أهلهن من العمل، فإذا دخلت بيتها فليس لها عمل إلا أن تنطرح على فراش أو تقرأ في قصة، أو تنظر إلى أفلام أو صور، ولا تمد يدها لشغل، قد أراحها أهلها، واجتلبوا لها خادمة تكفيها مئونة بيتها، فهي لا تحسن أن تصلح طعاماً، ولا أن تصلح شراباً، ولا أن تغسل ثوباً، ولا أن تنظف بيتاً، ولا أن تنظف إناءً، قد اعتادت الرفاهية، واعتادت الكسل، واعتادت الخمول، ورضيت بذلك، ورضي بذلك أهلها، ولم يعلموها أية حرفة، فإذا تزوج مثل هؤلاء البنات ماذا تكون حالتهن إذا تزوجن؟! فهل في الإمكان أن تشتغل لزوجها؟ لا يمكن أنها تشتغل، سمعت قصة أوردها شيخنا الشيخ ابن حميد رحمه الله، وهي: أن رجلاً كان وحيداً هو ووالدته في بيت واسع، ثم إنه تزوج امرأة وقال: أتزوج يا والدتي امرأة تساعدك على شغل الدار، وتشتغل وتحترف معك، فلما تزوج تلك المرأة التي قد رفهها أهلها ونعموها، وعاشت في غاية التنعم، دخلت إلى بيته وبقيت على الفراش، ففي اليوم الأول قامت أمه بإصلاح الطعام وبكنس الدار، والزوجة الجديدة تنظر إليها، ثم في اليوم الثاني رأى والدته أيضاً قامت تكنس الدار وتصلحها، فقال: يا أماه! دعيني أكنس معك.

يريد بذلك إثارة همة هذه الزوجة لعلها أن ترفق به وتقول: بل أنا أقوم مقامك، ولا تكلف نفسك، أنت رجل.

فامتنعت أمه وصارت هي التي تكنس.

في اليوم الثالث دخل وإذا أمه تكنس الدار، أيضاً حاول أن يكنس معها فأبت أمه، فأطلت هذه الزوجة الجديدة من النافذة تتفرج عليهما، فقالت: أنا أحكم بينكما: عليك أن تكنس يوماً، وعلى أمك أن تكنس يوماً! هذا جوابها!! ما تنازلت أن تنزل وتريح زوجها من هذا العمل، ففي هذه الحال ماذا تكون حالتها؟ فالرجل يتزوج المرأة من أجل أن تريحه، وأن تصلح له الطعام، فإذا جاء من عمله يجده مهيأًً، وكذلك تغسل ثوبه، وتغسل أواني بيتها وما أشبه ذلك، فإن هذا لا يضرها، بل إنه يعودها على الحركة، ويذهب عنها الخمول والكسل الذي اعتادته ونشأت عليه، وهو مما يضر بصحتها.

فهذا ونحوه من أسباب الفراق، إذا تزوجها ولم يجد منها إلا خمولاً وضعف همة، وانقطاعاً عن أن تنفعه أو تنفع غيره، فلا شك أن هذا يسبب الفراق.

كذلك مطالبتها بما نشأت عليه، مثل أن يحضر لها تلك المجلات الخليعة؛ لأنه لا صبر لها عنها؛ ولأنها تربت عليها، أو دخل عليها وعثر عليها عندها، فهذا مما يجلب له الظن السيئ بها، وكذلك إذا ألحت عليه في أن يجلب لها الأفلام والصور الخليعة المسجلة في أشرطة الفيديو وغيرها، أو طلبت منه أن يمكنها من شراء هذه الأفلام، فهذا أيضاً مما يسبب مقته وبغضه، لها وسرعة فراقه لها.

ومنها: إذا رآها مكبة على سماع الغناء الماجن والتلذذ به، ولا همة لها في أن تصلح شأنه أو شأن بيتها، بل هي مكبة على هذا السماع واللهو، فهذا من أسباب الفراق، فيمقتها ويقول: هذه لا حاجة لي فيها، ولا منفعة لي منها، فكيف أتحمل؟! وكيف أصبر وأقوم أنا بخدمتها؟! ولا شك أن هذا من آثار تربية أهلها الذين ربوها التربية السيئة، ولم يعلموها شيئاً من عمل البيت ولا من عمل الحرفة، ونعموها، وأحضروا لها مطالبها.

ومنها: كون البنت درست وواصلت الدراسة، ووصلت إلى مرحلة راقية، أصبحت جامعية أو دكتورة أو نحو ذلك، وقد يكون الرجل دونها في هذا المؤهل، فتحتقره، وتقلل من شأنه، ومن أمره، وتقول: أنا أرفع منك رتبة، وأنا أعز منك منزلة، وأنا وأنا مما يجعله يبغضها، ويعجل بفراقها.

ومن أسباب الفرقة: الوظيفة، كونها موظفة في مدرسة كمدرسة أو مديرة أو نحو ذلك، أو موظفة في مستشفى كطبيبة أو ممرضة أو ما أشبه ذلك، فإن هذا أيضاً يأخذ منها وقتاً طويلاً على زوجها، وتكلفه أيضاً إيصالها أو ردها، أو تكلفه إحضار خادم أو سائق يذهب بها ويجيء، وذلك مما قد يسبب الريبة لخلوته بها، ولمخاطبته لها، ولا تلين لزوجها، بل تلزمه بذلك إلزاماً، فهذا ونحوه من آثار التربية السيئة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015