تكلم المصنف هنا على مسائل فيها بعض الغرابة، أولاً: إذا قال: أنت طالق قبل موتي، طلقت في الحال؛ لأن الآن قبل موته، ولا يدرى هل يموت بعد دقائق أو يموت بعد سنوات أو بعد عشرات السنين؛ فتطلق في الحال؛ لأنه جعل الطلاق قبل الموت وهذا الوقت قبل موته.
ثانياً: إذا قال: أنت طالق بعد موتي فهل تطلق؟ ما تطلق؛ لأنها بعد موته قد بانت منه؛ لأن الموت بينونة كبرى، ومفارقة كاملة، فلا يقع الطلاق، هذا إذا قال: بعد موتي، وإذا قال: أنت طالق مع موتي هل تطلق؟ لا تطلق أيضاً، وما ذاك إلا لأن الطلاق لا بد أن يكون في الحياة، وأما حالة الموت فلا يصح.
وقد ذكروا أنه لو طلقها وهو مريض، فإنها ترث منه، حتى ولو انتهت عدتها؛ لأن الغالب أنه يقصد حرمانها، فيطلقها في المرض حتى لا ترث، فالطلاق مع الموت أو مع قربه لا يقع، لكن إن كان في مرض معتاد وقع الطلاق، لكن إذا اتهم بقصد حرمانها فإنها ترث.
وإذا قال: أنت طالق في هذا الشهر، متى تطلق؟ تطلق في الحال؛ لأن هذه الحال من هذا الشهر.
وإذا قال: أنت طالق اليوم؛ تطلق ساعة ما يتلفظ، ولا حاجة إلى أن يؤخر الطلاق إلى نهايته.
وإذا قال: أنت طالق في هذه السنة؛ تطلق حالة ما يتكلم، سواء قال: أنت طالق اليوم أو في هذا الأسبوع أو في هذا الشهر أو في هذه السنة؛ فإنها تطلق ساعة ما يتكلم.
ولو قال: ما أردت طلاقها في الحال، وإنما أردت آخر الكل، يقبل حكماً؛ يعني يصدق.
فإذا قال: ما أردت إلا آخر اليوم؛ فإنها تطلق عند غروب الشمس، وإذا قال: آخر الأسبوع؛ فإنها تطلق آخر يوم الجمعة، وإذا قال: آخر الشهر؛ فإنها تطلق آخر يوم ثلاثين الذي هو آخر الشهر، أو آخر تسع وعشرين إن كان الشهر ناقصاً، وهكذا آخر السنة يقبل قوله حكماً.
إذا قال: أنت طالق غداً، يراد بغدٍ اليوم الذي بعد هذا اليوم، تطلق في أوله، وأول غدٍ متى هو؟ وقت إمساك الصائم، يعني: وقت طلوع الفجر، فإنه أول النهار، فتطلق وقت طلوع الفجر وتبيُّن الصبح، وقبل ذلك لو ماتت؛ ورثها، ولو مات قبلها ورثت منه؛ لأنها لا تزال زوجة، وتحد عليه ونحو ذلك.
إذا قال: أنت طالق يوم السبت مثلاً، يوم السبت قيل: إنه يدخل فيه الليل، فتطلق إذا غربت شمس يوم الجمعة؛ لأن الليلة تكون من يوم السبت، ولكن الأكثرون على أنه يفرق بين يوم السبت وليلة السبت، فلا تطلق إلا في أول صباح يوم السبت بطلوع الفجر، لو قال: أردت آخر يوم السبت أي: وقت غروب شمس يوم السبت، أو قال: أردت آخر الغد كأن قال: أنت طالق غداً، وأراد بها آخر النهار قرب غروب الشمس، هل يقبل؟ لا يقبل.
إذا قال: إذا مرَّت سنة فأنت طالق، كلمة سنة اسم لمضي اثني عشر شهراً، فمتى مضى اثنا عشر شهراً هلالياً فإنها تطلق، لكن في بعض البلاد يوقتون بالأشهر الشمسية أو الميلادية، فإذا كان ذلك معتاداً عندهم، فلا بد أن يمضي اثنا عشر شهراً شمسياً من الأشهر المعروفة عند أهل التاريخ الميلادي، وأما إذا قال: اثنا عشر شهراً وهو من المسلمين وبينهم، فتكون الأشهر هلالية؛ لأن هذا هو المعتاد والمعروف عند المسلمين.
إذا قال: إذا مضت السنة فأنت طالق؛ السنة في اصطلاح المسلمين هي السنة الهجرية، وتبدأ بشهر محرم، وتنتهي بشهر ذي الحجة، فتطلق في آخر شهر ذي الحجة؛ لأن هذه هي السنة الهجرية، وإذا كان ممن يؤرخ بالتاريخ الميلادي، فإنها تطلق بنهاية السنة الميلادية، فقبل أن يدخل الشهر الميلادي الذي يستقبلون به السنة ويسمى: يناير تطلق، وتنتهي السنة بشهر ديسمبر.
الحاصل أن مثل هذه المسائل يذكرها الفقهاء، وبعضها قالوه بالاجتهاد، ومع ذلك فإنهم يقيسون بعضها على بعض على أقل ما يليق بها، فنقول: لا يشترط أن يكون على كل جملة نصٌ أو دليل واضح، بل الأدلة تؤخذ من العمومات أو تؤخذ من المسميات، ونعرف أيضاً أن كثيراً منها خلافية أي: يوجد فيها خلاف بين الفقهاء، وإنما ذكروا ما يترجح لهم.