المواضع التي لا تصح الصلاة فيها

وذكر بعد ذلك المواضع التي لا تصح الصلاة فيها، وهي: الأول: المقبرة، وقد وردت أحاديث كثيرة في النهي عن اتخاذ القبور مساجد، والنهي عن الصلاة في المقبرة والحمام.

واختُلِف في العلة، فأكثر الفقهاء على أن العلة تلوثها بصديد الموتى.

يعني: أن الميت يتحلل ويخرج منه في قبره رائحة منتنة وأن تلك الرائحة تمتصها الأرض وتظهر على وجه الأرض فلا يجوز أن يصلى فيها لهذا السبب.

والصحيح من التعليل أن العلة مظنة الغلو فيها، ولذلك نُهي عن الصلاة عند قبور الأنبياء: (لا تتخذوا القبور مساجد) ، مع أن أجساد الأنبياء لا تأكلها الأرض، فهو دليل على أن العلة خوف الغلو في الأموات ودعائهم مع الله، وهذا هو الذي وقع من القبوريين، فإنهم لما بنوا على القبور زيّن لهم الشيطان أن ذلك من تعظيمها ومن احترام أهلها، فوقع من بعدهم في دعاء الأموات، فصاروا يقصدون تلك القبور الذي يقال: إنها قبور أولياء وسادة، أو شهداء أو صالحين، فأدى الأمر إلى عبادتها مع الله.

فالصحيح ما علل به شيخ الإسلام أنها مظنة الغلو، وقد ذكر ذلك في اقتضاء الصراط المستقيم.

الثاني: الخلاء، يراد به: بيت الخلاء، ويسمى الحش والكنيف والمرحاض، وتسميته بالحمام تسمية جديدة، وهو محل قضاء الحاجة.

وورد أيضاً: النهي عن الصلاة في الحمام، وأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في المقبرة والحمام، وليس المراد الحمام الذي في البيوت الذي هو بيت التخلي، بل المراد الحمام الذي يكون في البلاد الباردة كالشام والعراق ومصر وتركيا وغيرها، وهو عبارة عن بيت يحفر له في الأرض دور أو دورين ثم يكون فيه ماء ساخن يدخله الإنسان حتى يستحم بمعنى يتنظف، وكرهوا الصلاة فيه لما فيه من كشف العورات، أي: أنه يكثر فيه كشف العورات، وكان في الزمان القديم مظلِماً، وفي هذه الأزمنة بعد وجود الكهرباء استطاعوا أن ينوروه، فأصبح كأنه الأقبية التي يحفر لها في الأرض.

والحاصل أنه نهي عن الصلاة فيه لهذه العلة.

وأما النهي عن الصلاة في الخلاء، فلأجل أنه مأوى الشياطين، والشياطين تألف الأماكن القذرة، ولذلك ورد في حديث: (إن هذه الحشوش محتضرة) يعني: تحضرها الشياطين، وأمر بالاستعاذة من الخبث والخبائث: ذكور الشياطين وإناثهم.

فهذه هي العلة.

الثالث: الحمام، ذكرنا أنه غير الخلاء، وأنه الدور التي يحفر لها في الأرض ويُستحم فيها، ويدخلها من يستحم فيها لوجود الماء الساخن.

الرابع: أعطان الإبل، والعلة أنها مأوى الشياطين، وقد ورد في حديث: (إن على ذروة كل بعير شيطان) ، وفي حديث: (إنها جن خلقت من جن) ، وفي حديث آخر: إن الفضاضة وغلظ الطبع في الفدادين أصحاب الإبل، والسكينة في الغنم.

هكذا علل كثير من العلماء، وعللوا بذلك أيضاً الوضوء من أكل لحمها، ومنهم من علل بأن مبارك الإبل مظنة النجاسة، وأن كثيراً إذا أراد التغوط أو التبول استتروا بالإبل فتكون تلك المبارك لا تخلو من نجاسة.

الخامس: المجزرة، وهي التي تذبح فيها البهائم لأنها تتسخ بالدم وبالفرث، وذلك دليل على أنها نجسة ومستقذرة.

السادس: المزبلة، التي هي مُلقى الزبالات والقمامات والنفايات؛ لأن الغالب أنها لا تخلو من نجاسة، ولأنها مستقذرة تقذرها النفوس وتنفر من هذه القمامات.

السابع: قارعة الطريق، واختُلف في العلة، فقيل: إن الناس إذا سلكوا هذا الطريق غالباً ما يلقون النجاسة فيها، فإذا حقِن أحدهم تبوّل في الطريق أو قريباً منه، أو أنها لكثرة مرور الناس عليها يلقى فيها قمامات ونفايات ونحوها، وقيل: العلة التشويش، وأنه إذا صلى في قارعة الطريق تشوّش بكثرة المارين الذين يسيرون مع هذه الطريق فلا يقبل على صلاته.

وأما الصلاة بأسطحها فيراد به سطح الحمام مثلاً، والخلاء وأشباهها، وقد ذكروا أنها لا تصح، ولكن لعل القول بالصحة أقرب، وذلك لأن الذي يصلي لا يشاهد نجاسة ولا يشاهد شيئاً مما نهي عنه فلا ضرر عليه، ولا أثر عليه.

ولذلك إذا تنجست الأرض ويبست النجاسة عليها ولم تجد ما تغسلها به، وبسطت عليها بساطاً صحّت الصلاة.

ويحدث كثيراً في المساجد أن البالوعة يُحتاج إلى سطحها، في التوسع فيفرش عليها إذا ضاق المسجد لصلاة جمعة أو نحوها، فيضطرون إلى أن يصلوا في سطحها مع أنها الذي فيها نجاسات محققة، فالصحيح أنه لا مانع من الصلاة في أسطحها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015