الفصل الثاني في عيوب النكاح، والعيب هو: ما يكون نقصاً في أحد الزوجين، بحيث تنفر النفس من ذلك العيب، أو لا يحصل كمال الاستمتاع، أو لا يحصل كمال الألفة، أو ما أشبه ذلك، فإذا وجد هذا العيب فإنه يكون سبباً في الفراق.
وذكر المصنف أن العيوب ثلاثة أنواع: قسم يختص بالرجال، وقسم يختص بالنساء، وقسم يوجد في الرجال وفي النساء.
فالذي يختص بالرجال: كجبّ وعنة، والجب هو: قطع الذكر، وهذا بلا شك عيب؛ لأنه لا يحصل به الاستمتاع، والمجبوب لا يكون زوجاً يحصل منه الإنجاب، ولا يحصل منه الاستمتاع.
وإذا كان مقطوعاً نصف ذكره فإنه قد يحصل منه الاستمتاع أو الوطء، ولكن لا يكون استمتاعاً كاملاً، فلها طلب الفسخ.
وأما العنة: فهي عدم القدرة على الوطء، العنين هو: الذي لا يحصل منه الانتشار الذي يتمكن معه من الوطء، فإن بعض الناس ليس عنده شهوة، أو عنده شهوة ضعيفة بحيث إنه لا يحصل منه الانتشار والانتصاب، فلا يحصل منه قدرة على الوطء، فيكون هذا عيباً، فللمرأة طلب الفسخ إذا ظهر أنه عنين.
والنوع الثاني يختص بالنساء: ذكروا أن من النساء من يكون في فرجها سد يسمى الرتق والعفل، والرتق هو: انضمام الفرج والتحامه، فلا يتمكن زوجها من الاستمتاع، يقال: امرأة رتقاء، أي: ملتصق فرجها بعضه ببعض، ومن الرتق قول الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً} [الأنبياء:30] أي: كانت السموات ملتصقة بالأرض {فَفَتَقْنَاهُمَا} [الأنبياء:30] .
وكذلك العفل مرض يكون أيضاً في الفرج، يمنع من كمال الاستمتاع، ويشبهونه بالأدرة التي قد تكون في الرجل، والآدر هو: الذي فيه فتق في أسفل بطنه، فتنحدر منه أمعاؤه، حتى تجتمع في الأنثيين، هذه تسمى الأدرة، فيكون في النساء هذا الفتق، فيكون أيضاً عيباً، ولكنه أغلب ما يكون في الرجل، والآدر: هو الذي فيه هذا الفتق، فيكون أيضاً عيباً، والفتق قد يفسر بنوع آخر وهو: انفتاق ما بين مخرج الحيض ومخرج البول، فإذا كان منفتقاً ما بينهما فإن ذلك أيضاً عيب؛ لأنها في هذه الحالة لا تقدر على استمساك البول، ففي هذه الحال يكون هذا عيباً.
النوع الثالث: العيب المشترك بين الرجل والمرأة: كالجنون، والجذام، والبرص، فإذا وجد في واحد منهما فللآخر طلب الفسخ؛ لأنه مما تنفر منه النفس، فالجنون: فقد للعقل، يقال: جن إذا غُطي على عقله، فإذا تبين أن المرأة مجنونة فله أن يطالب بالفسخ، أو الرجل تبين أنه مجنون فلها المطالبة بالفسخ.
كذلك الجذام، وهو: قروح تخرج في الأنف وفي الوجه وتنتشر، ويكون لها رائحة منتنة، ويخشى أيضاً انتقالها، وفي الحديث: (فر من المجذوم فرارك من الأسد) فالجذام من الأمراض الشديدة، وقد ورد الاستعاذة منه، فمن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (أعوذ بالله من البرص، والجنون، والجذام، وسيئ الأسقام) .
والبرص معروف وهو: هذا البهق والبياض الذي يكون في بعض الناس في يديه أو في وجهه أو في أعضائه، فإن كان خفياً في بطن أو ظهر فقد لا يكون عيباً، وإلا فإن النفس تنفر من الشيء الذي يخالف خلقة الإنسان، فيكون عيباً يفسخ به، أما بقية العيوب فلا توجب الفسخ، لكن إذا اشترط نفيها فله شرطه، فإذا شرط ألا عيب فيها، ووجد بها عور، أو وُجد أنها عمياء، أو مشلولة إحدى اليدين، أو عرجاء، أو بها قرع، وهو تمزق شعر الرأس، الأقرع هو: الذي يكون في رأسه هذه القروح التي تمزق الشعر أو نحوه، أو قروح خفية وجروح، أو مرض خفي.
فالحاصل: أنه إذا وجد عيب خفي، وكانوا قد كتبوه؛ فله المطالبة بالفسخ إذا كان مما ينفر النفس، وله أن يرضى به.
وإذا حدث الجنون أو البرص بعد الزواج وبعد الدخول جاز له أن يطلب الفسخ، مع أن هذا ليس بسبب منها، ولا من أهلها، وإنما حدث أنها جنت، أو أصيبت بالجذام بعد ما دخل بها، ولكن النفس تنفر من ذلك.
وهناك عيوب لا تكون ملزمة للفسخ، ولكن إذا كان هناك شرط فـ (المسلمون على شروطهم) ، فإذا لم يشترط نفي العيوب، ووجدها عمياء، أو عوراء، أو وجدت زوجها مثلاً ضعيف البصر يحتاج إلى من يقوده، أو أطرش، والطرَش هو: ثقل السمع، فإذا وجد بأحد منهما طرَش، فإن كان هناك شرط فله شرطه، وإلا فإنه لا يُعد عيباً، وكذلك قطع اليد أو الرجل، سواءً كان حادثاً أو قديماً، وكذلك إذا قطعت إصبعه، فلا يكون هذا موجباً للفسخ إلا بشرط، فإذا شرط: ألا عيب فيها أصلاً من الخلقة، ثم وجدت مقطوعة إحدى اليدين، أو مقطوعة أحد الأصابع بحيث يختل العمل؛ فله طلب الفسخ؛ لأنه شرط نفي العيب.
ومن ثبتت عنته أجل سنة من حين ترفعه إلى الحاكم، ويحدث هذا في كبار السن، فقد تجد أن أحدهم يصاب بضعف الشهوة، والمرأة تريد زوجاً يحصل منه الاستمتاع بها، ففي هذه الحال إذا طلبت منه الاستمتاع ورفعته إلى الحاكم، فإن الحاكم يؤجله سنة، وكذلك إذا ثبتت عنته، أي: أنه لا ينتصب ذكره، ولا يحصل منه الوطء الذي يحصل به الاستمتاع، فإذا ترافعا فالحاكم يؤجله سنة، حتى تمر به الفصول الأربعة، يمر به فصل الربيع، فقد يكون مثلاً بسبب برودة، ويمر به فصل الشتاء، فقد يكون الضعف بسبب حرارة، ويمر به فصل الخريف وفصل الصيف، فإذا مرت به الفصول الأربعة ولم يتبين أنه تغيّر بل بقي على عنته، ففي هذه الحال بعد أن ثبتت عنته، وأجله الحاكم سنة من حين الترافع، فإن لم يطأ فيها فلها طلب الفسخ.
وإذا وجد عيب كعمى وطرش أو صمم أو خرس أو عور أو شلل على التراخي، يعني: سكتت، ولم تطالب الفراق، ومضى عليها سنة أو سنوات ثم طلبت الفراق، فهل يحتج عليها ويقول: أنت قد مكثت عندي سنة أو سنتين راضية بالحال، فلماذا طلبت الفراق بعد ذلك؟
صلى الله عليه وسلم لها أن تطلب الفراق ولو بعد عشر سنين؛ لأنه يمكن أنها تقول: كنت أتحمل، أو أتصبر، أو لعله يتغير، فخيار العيب على التراخي، لكن يسقط بما يدل على الرضا إذا دل كلامها أو كلامه على الرضا، فإذا قال: رضيت بها ولو خرساء، فهذا دليل على رضاه، أو قال: رضيت بها ولو عرجاء فكذلك، أو قالت: رضيت به ولو أعور، أو أعمى، أو حدث به العمى، أو المرض، فإذا أظهرت الرضا بطل الخيار، فلو طالبت بعد ذلك بالفسخ فليس لها؛ لأنها رضيت به، ومن رضي به في وقت استقر الرضا بعد ذلك.
وأما في عنة فلا يسقط، ولا خيار إلا بالقول، فالعنين خياره لا يسقط إلا بقول، وصورة ذلك: إذا قالت: رضيت به عنيناً، أي: رضيت أن يبقى معها ولو كان عنيناً، فيسقط خيارها.
وأما الفسخ فهو: فسخ النكاح، بمعنى: أنها تطالب بالفسخ، ولا يفسخه إلا الحاكم، فإذا ترافعا إلى الحاكم، وقالت: أريد فسخ النكاح بيننا، فإنه هو الذي يتولى فسخه، وإذا فُسِخ النكاح قبل الدخول فلا مهر؛ لأن الصداق إنما كان بسبب العقد، وهاهنا تبين أن العقد لا يصح، وأنه لا يُقر على تلك الحال، فلا تستحق عليه لا مهراً ولا نصف المهر، وأما إذا دخل بها فإنها تستحق المهر كاملاً بما استحل من فرجها، ولكن يرجع به على الذي غرّه أو أوهمه أنها سليمة، سواء الأب أو الأخ أو الواسطة بينهما، يقول: أنت خدعتني، دخلت بها ووجدت بها عيب كذا وكذا، وقد أخذت مني المهر كاملاً، فأنت الذي خدعتني، فيرجع به عليه.