لما ذكر العلماء النظر إلى المخطوبة استطردوا فيما للإنسان أن ينظر إليه من النساء، وما المقدار الذي ينظر إليه، فذكروا أنه ينظر إلى ما يظهر غالباً: كالوجه، والكفين، والرأس، والساق، أي: إذا كنَّ من ذوات محارمه، يعني: كأمه وبنته وأخته وعمته وخالته، وبنت أخ وبنت أخت، وأم من الرضاع، فيجوز أن ينظر إلى ما يظهر غالباً، فينظر إلى الرأس وإلى الوجه وإلى الساعد والذراع والساق؛ لأن هذا مما تحتاج إليه المرأة مع محارمها، كابنها وأبيها، فلابد أنها تتبذل، وأنها تخدم، وأنها تبدو لهم، فيشق عليها أن تتحفظ وأن تتستر، ومعلوم أيضاً أن المسلمين قلوبهم نزيهة، لا يمكن أن تثور شهوته على أمه أو على بنته أو نحوهما، إنما يفعل ذلك من ليس في قلبه إيمان -والعياذ بالله-، فينظر إلى ما يظهر غالباً من ذوات محارمه، ونظر الرجل إلى الرجل يجوز فيما يظهر غالباً، يعني: ينظر إلى ساقيه وإلى ذراعيه وعضديه وعنقه ونحو ذلك، ولا يجوز للعاقل أن يتعرى أمام الرجال، ولا أن يظهر بدنه ولو ستر العورة المغلظة، فإن ذلك مما يقدح في المروءة، كالذين يمشون عراة، ويلبس أحدهم تباناً، يعني: سراويل قصيراً يستر به مجرد الفرجين، ويدعي أنه بسبب الحر أو ما أشبه ذلك، أو أنه ليس بعورة، ولو كان ذلك ليس بعورة أمام الرجال، لكنه ينقص المروءة، فالرجل يحرص على أن يتستر وأن يحفظ نفسه، والله تعالى أمر بالتستر فقال تعالى: {قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا} [الأعراف:26] ، فالريش هو: اللباس الذي يستر البدن.
والمرأة لا يجوز لها أن تتبذل أمام النساء، ولا أن تظهر شيئاً مما يخفيه اللباس ويستره، وإنما يجوز لها أن تبدي وجهها وعنقها، وكذلك أيضاً صدرها لإخراج الثديين لإرضاع الطفل؛ لأنها تحتاج إلى إرضاع طفلها عند النساء أو عند المحارم، وكذلك تنظر المرأة من المرأة إلى ساعديها أو ساقيها، فأما ما تستره غالباً كالبطن والظهر والمنكبين والإبطين والجنبين فلا، فهذا مما يُعتاد ستره، ولا يجوز التفسخ والتعري ولو لم يكن عندها إلا نساء.