قوله: (ولا تصح الوصية بالعتق) ، يعني: لا يصح أن يقول: أوصيت بعتق فلان رقيقي، قد تقدم أنها تصح الوصية للعبد بجزء مشاع من المال -كما تقدم في الوصايا- كثلثه، فيقول: إذا مت فأعطوا ثلث مالي عبدي سعيداً، فإذا قدروا نصف ماله أنه مائة بما فيه العبد، وقيمة العبد مائة عتق كله، وإذا قدر أن قيمة العبد مائة، وثلث المال بما فيه العبد مائتان عتق العبد وأخذ مائة.
فأما الوصية به، أن يقول: إذا مت فأعتقوا من مالي كذا، فهذا لا يصح؛ وذلك لأنه تتعلق به بعد ذلك حقوق الورثة.
أما تعليقه بالموت وهو التدبير فيصح، والتدبير أن يقول لعبده: أنت حر بعد موتي، أو أشهدكم أني دبرت هذا المملوك أو هذه الأمة.
دبرتها: يعني جعلتها حرة بعد موتي، التدبير معناه: أن يعلق عتقه بموته، فيقول: إذا مت فعبدي حر، لماذا سمي تدبيراً؟ لأنه دبر حياته باستخدام العبد، ودبر ما بعد الموت بحصول أجر العتق، فما دام مدبراً فإنه يستمتع به فيستخدمه، وكسبه له، وإن كانت أمة فله وطؤها؛ لأنها لم تخرج عن ملكه، فيكون بذلك كأنه دبر حياته ودبر ما بعد الموت، هذا تعليقه بالموت وهو التدبير.
وإذا دبره وعتق بعد موته عتق من الثلث، إن خرج من الثلث خرج كله، وإن لم يخرج عتق منه بقدر ثلث ماله إلا أن يجيز الورثة ما زاد على الثلث، هذا المدبر في حديث جابر ذكر أن رجلاً أعتق مملوكاً له عن دبر، ليس له مال غيره، فباعه النبي صلى الله عليه وسلم وأعطاه ثمنه، وقال: (ابدأ بنفسك فتصدق عليها) إلى آخره.
فدل على جواز بيع المدبر، إذا قال لعبده: أنت حر بعد موتي، أو: إذا مت ففلان حر، فإنه يجوز له في الحياة أن يبيعه وينتفع بثمنه، فإذا باعه بطل التدبير، وإذا دبره وعتق بعد الموت فإنه لا يعتق إلا إذا خرج من الثلث، فإن كان أقل من الثلث عتق منه بقدر الثلث بما في ذلك قيمته.