ثم أيضاً ورد الحرص على تحرير الرقاب، فمن ذلك: أن من قطع عضواً من عبده فكفارته أن يعتقه، أو لطمه، وفي حديث النعمان بن مقرن يقول: (كنا عشرة إخوة أو تسعة، ليس لنا إلا خادم واحدة تخدمنا، فلطمها أصغرنا، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أعتقوها) يعني: كفارة تلك اللطمة أنها تعتق، فأمر بإعتاقها! كذلك أيضاً ورد عن أبي مسعود أنه سمعه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يضرب عبداً له، فقال: (اعلم أبا مسعود! أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أعتق ذلك الغلام، فقال: لو لم تفعل للفحتك النار) يعني: على ضربك له.
وورد أيضاً النهي عن التمثيل بالمملوك، في حديث: (من لطم عبده لطمناه، ومن مثّل بعبده فإنه يعتق، من جدع عبده جدعناه) يعني: عقوبة له على هذا الفعل.
كما جاء الأمر بإحسان الملكة، أي: الإحسان إلى المملوك، حتى ورد في حديث: (إذا جاء أحدكم خادمه بطعامه فليجلسه معه ليأكل، فإنه ولي حره وعلاجه، فإن لم يفعل فليناوله لقمة أو لقمتين) بمعنى: أن عادة السيد أن يكون له الطعام الحسن الشهي، والذي يتولى إصلاحه هو عبده، فإذا جاءه به فعليه أن يطعمه معه، وأن يجلسه معه.
وقد عمل بذلك أبو ذر لما أنه عيّر رجلاً بأمه، فقال صلى الله عليه وسلم: (أعيرته بأمه؟ هم إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يطعم، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم) ، فكان أبو ذر إذا لبس حلة ألبس مملوكه مثلها، ويساويه بنفسه، وإذا اشترى حذاء اشترى لعبده مثله، وإذا اشترى عمامة اشترى لعبده مثلها، وكذلك أيضاً يواسيه: فلا يأكل إلا معه؛ يواسيه في الأكل، يواسيه في الشرب، وفي اللباس، وما أشبه ذلك، كل ذلك حرصاً منه على حفظ وصية النبي صلى الله عليه وسلم: (فليطعمه مما يطعم، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم) .