كما ذكرنا فإن مسائل الجد والإخوة من أكثر المسائل غموضاً، حيث لم يرد فيها حديث مرفوع، واختلف فيها الصحابة اختلافاً كثيراً، فأفتى أبو بكر رضي الله عنه بأن الجد كالأب يُسقط الإخوة، وأما عمر فاختلف رأيه: فتارةً يسقط الإخوة بالجد، وتارةً يورِّثهم، وتارة يتوقّف ويكره الفتيا في هذه المسألة.
ولكنها وقعت له، فوقع أنه مات أحد أبنائه وله ذرّية، ثم مات أحد أولئك الذرية وله إخوة وجد، وهو عمر نفسه، فلم يكن بد من أن يفتي فيها، فاختار أن الجد لا يسقط الإخوة بل يقاسمهم ولكن له طريقة وهي التي ذكرت هنا.
فالفتوى الآن على أن الجد يسقط الإخوة وأنه كالأب، وقد نصر ذلك ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين بنحو عشرين وجهاً، فدل على أن الجد يُسقط الإخوة وأنه كالأب، فمن أرادها طالعها.
وإذا قيل: إن الجد لا يُسقطهم فإنهم ينظرون ما هو الأحظ له، وذلك لأنه أقوى من الإخوة، فلما كان كذلك جعلوه أفضل منهم.
والإخوة الذين يقاسمهم الجد هم الأشقاء أو لأب، وذلك لأنهم جميعاً يدلون بالأب وهو يدلي بالأب، فإذا كان معه إخوة فإنه يكون كأحدهم، فإذا كان في المسألة جد وأخ فإن المال يقسم نصفين، وإذا كان فيها جد وأخت فإن الجد كأخ، فللأخت سهم وله سهمان كما لو كان أخاها، وجد وأختان له سهمان ولهما سهمان لكل واحدة سهم.
فإذا لم يكن معهم أصحاب فروض فإن له خير الأمرين: المقاسمة أو ثلث المال.
فالمقاسمة أن يقتسم المال مع الإخوة على عدد الرءوس.
وتكون المقاسمة خيراً له من ثلث المال إذا كان الإخوة أقل من مثليه، وذلك إذا كانوا مثله مرة ونصف مرة أو مثله مرة، أو نصف مثله، وتنحصر في خمس صور: جد وأخت؛ الأخت نصفه.
جد وأختان؛ الأختان مثله.
جد وأخ؛ الأخ مثله.
جد وأخ وأخت؛ الأخ والأخت مثله مرة ونصف مرة.
جد وثلاث أخوات؛ الثلاث الأخوات مثله مرة ونصف مرة.
ففي هذه الحالات تكون المقاسمة خيراً له، فإنه إذا كانت مع الجد أخت واحدة يأخذ الثلثين، وإذا كان معه أختان أو أخ يأخذ النصف، وإذا كان معه أخ وأخت أو ثلاث أخوات يأخذ الخمسين، وهو أكثر من الثلث.
الحالة الثانية: أن يستوي له المقاسمة وثلث المال، وتنحصر في ثلاث صور، وضابطها أن يكون الإخوة مثليه، أي: مثله مرتين، وصورها ثلاث: جد وأَخَوَان لكل واحد سهم، جد وأخ وأختان؛ الأختان سهم والأخ سهم والجد سهم، جد وأربع أخَوات؛ الجد سهم وأختان سهم وأختان سهم، ففي هذه الحالات تستوي له المقاسمة وثلث المال.
أما إذا كان الإخوة خمسة، أو أخوين وأختاً، أو ثلاثة أخوة، أو خمس أخوات، ففي هذه الحالات يكون الإخوة أكثر من مثليه، فإذا كانوا أَخَوين وأختاً، فهم مثله مرتين ونصفاً، وكذلك أخ وثلاث أخوات مثله مرتين ونصف مرة، أو خمس أخوات فهن مثله مرتين ونصف مرة، ففي هذه الحالات لو قاسمهم ما حصل له إلا سبعان، أي: سهمان من سبعة وهذا أقل من الثلث، ففي هذه الحال يأخذ ثلث المال؛ لأنهم أكثر من مثليه.
هذا معنى قوله: (إذا لم يكن معه صاحب فرض فإنه يخيَّر بين أمرين المقاسمة أو ثلث جميع المال) .