ذكر المصنف رحمه الله أن الوصية تصح لعبده بمشاع كثلثه.
العبد لا يملك لأنه مملوك، ولكن إذا أوصى له بمشاع كثلث التركة عتق منه بقدر الثلث، أو عتق كله، أو عتق وأخذ الباقي؛ فلذلك صحت بمشاع، ولا تصح بمعين؛ لأن العبد لا يملك.
فلو قال: إن مت فأعطوا عبدي هذه الأرض أو هذا البستان أو هذا المنزل.
فنقول: العبد مملوك فكيف يملك؟ وكذلك لو قال: أعطوه من تركتي ألفاً أو عشرين ألفاً.
فلا يملك؛ لأنه هو وما بيده لسيده، فلذلك لا تصح الوصية للعبد إلا بمشاع.
والمشاع هو أن يقول: بثلث أو ربع أو خمس، إذا قال: أعطوا عبدي ربع التركة، صح ذلك، ثم يكون حينئذ كأنه أوصى بعتق ذلك العبد، فيعتقون منه بقدر الثلث، والباقي يكون رقيقاً؛ فإن عتق كله وبقي شيء من الثلث أخذه.
مثال ذلك: إذا كانت قيمة العبد خمسة آلاف، وقال: أوصيت لعبدي بثلث التركة.
فنظرنا وإذا المال الذي تركه عشرة آلاف، وقيمة العبد خمسة آلاف، مجموعها خمسة عشر ألفاً، وثلثها قيمة العبد، فيكون هو الثلث، فيعتق كله، فكأنه قال: أوصيت بثلثي في عتق عبدي، فيعتق العبد.
فلو كانت التركة ثلاثين ألفاً، قيمة العبد منها خمسة آلاف، أي: عنده خمسة وعشرون ألفاً، وعنده عبد يساوي خمسة آلاف، وقال: أعطوا عبدي الثلث.
فيعتق العبد وقيمته خمسة آلاف، وهل يستحق شيئاً؟ نعم، يستحق بقية الثلث؛ لأن ثلث المال عشرة آلاف، من جملتها قيمة العبد، فنقول في هذه الحال: قيمتك خمسة آلاف، وبقي من الثلث خمسة آلاف خذها.
فيكون قد أوصى بعتقه، وبجزء من ماله، والبقية يتقاسمها الورثة.
وكذلك إذا لم يعتق كله، لو قدرنا أن التركة عشرة آلاف، وقيمة العبد خمسة آلاف، وقد أوصى له بالثلث، فنظرنا وإذا ثلث التركة ثلاثة آلاف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون، وقيمة العبد خمسة آلاف، ففي هذه الحال يعتقون منه بقدره، والباقي يبقى رقيقاً، أي: إذا نسبناه وجدنا أن ثلاثة آلاف وثلاثمائة تعتبر ثلث التركة، وتعتبر ثلثي العبد، فيعتقون من العبد ثلثيه، ويبقى ثلثه رقيقاً.
فالحاصل أنه إذا أوصى لعبده بمشاع كثلثه عتق منه بقدره كالثلثين في مثالنا، فإن فضل شيء أخذه، كما في المثال الأول الذي قلنا: إن التركة فيه ثلاثون ألفاً والعبد منها، فعتق كله، وأخذ بقية الثلث خمسة آلاف.