عرفنا أن الهدية: هي التبرع بجزء من المال أو بمنفعة لقصد التودد والمحبة، وأن العطية هي إعطاء الإنسان غيره شيئاً من المال بغير مقابل، وأن الهدية قسمان: هدية تبرر، وهدية ثواب، فهدية الثواب تكون كالبيع، إذا لم يعط مقابلها فله الرجوع، وهدية التبرع لا يجوز الرجوع فيها.
وقد ورد في فضل الهدية حديث مشهور هو: (تهادوا تحابوا) ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها، مع أن أهلها لا يشترطون ثواباً، ولكنه يحب مكافأتهم، فقد ورد في حديث: (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له، حتى تروا أنكم قد كافأتموه) .
وبهذا يعرف أن الهدية تكون مالاً، وتكون منفعة، فالإنسان الذي يعلمك، ويفهمك مسألة من المسائل، يعتبر قد فعل معك معروفاً، وأنت تحب أن تكافئه، لكن يستحب له إذا كان قصده الثواب والأجر ألا يأخذ هديتك؛ لأنها قد تنقص أجره، وقد جاء في حديث أبي الدرداء: (أنه علم رجلاً من أهل الصفة آيات من القرآن، فأهدى إليه قوساً، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أحببت أن تطوق مثله من النار فخذه) ؛ وذلك لأنه أراد الأجر بتعليمه، فلا يحق له أن يفسد أجره، وأن يأخذ عليه عوضاً.
ويقال كذلك في كل من عمل عملاً يحتسبه عند الله، فلا يفسد أجره بقبول تلك الهدية، سيما إذا كان ذلك الذي علمته أو دللته فقيراً كأهل الصفة الذين هم من فقراء المهاجرين، فمن فعل ذلك يحتسب الأجر، فليس له أن يأخذ ما يقابله، وقد ورد في حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال ما معناه: (من عمل عملاً يبتغي به وجه الله فأهدي إليه شيء فلا يأخذه) ، بل عد في بعض الروايات أنه من الربا، وإن لم يكن من الربا الصريح، فإذا عملت لإنسان عملاً تحتسبه فلا تأخذ عليه أجراً، كما إذا حملت له متاعه أو رفعته له، أو أوصلته له إلى منزله وأنت محتسب أنه فقير ذو حاجة، أو شفعت له عند من قضى حاجته، أو أما أشبه ذلك، وأنت تحتسب الأجر، فليس لك إفساد أجرك بأخذ هدية، وقد قصدت الأجر الأخروي، فلا تأخذ أجراً دنيوياً.