بعد ذلك يقول: (وجاحدها كافر) .
ما تكلم إلا على جاحدها، وقد ذهب جمع من العلماء إلى أن تاركها كافر ولو لم يجحد، ولكن إذا دعي إليها وأصر على أن يمتنع من الصلاة، ففي هذه الحال يقتل، وإذا قتل وهو مصر على تركها فلا يعامل معاملة المسلمين، فلا يغسل ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين؛ وذلك لأنه استمر على الترك وأصر عليه ولو لم يجحد، واستمر على ذلك إلى أن صبر على القتل.
نقول: وردت أحاديث تدل على كفر تاركها، تجدونها في كتاب الصلاة لـ ابن القيم، وذكر أدلة من يقول بأنه كافر، ومن يقول بأنه غير كافر لا يخرج من الإسلام، وحكم بين القولين، ولكنه ذكر أن العلماء فرضوا مسألة ممتنعة الوقوع، وهي: أنهم يقولون: إنما يعامل معاملة الكافر إذا دعي إلى الصلاة، وقيل له: صلِّ وإلا قتلناك.
فقال: لا أصلي، وأنا معترف بأن الصلاة فريضة، وأنها ركن من أركان الإسلام بل عمود الإسلام، وأنها فريضة الله التي فرضها على عباده، وأنها أول ما يحاسب عنه العبد وآخر ما يخرج من الدين، وأن الله فرضها منه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم بلا واسطة، وأنها شعار الإسلام وشعار المسلمين أنا أعترف بذلك كله، ومع ذلك فإني لا أصلي ولو قتلتموني، ولو قطعتموني إرباً إرباً.
ويقال: هل هذا صحيح؟ هل يكون مؤمناً الإيمان الصحيح بأن تاركها كافر، وبأنها فريضة الله، وبأنها عمود الإسلام، وبأنها أول ما يحاسب عليه العبد، ومع ذلك يصبر على القتل ولا يصليها؟! إذا رأينا مثل هذا قلنا: كذبت، لست معترفاً بفضلها، ولست معترفاً بفرضيتها، ولو كان كذلك ما صعبت عليك، فالصلاة ليس فيها مشقة ولا تعب ولا صعوبة، بل الصلاة تعتبر لذة للمؤمن وراحة وقرة عين له، فأنت على هذا القول وعلى هذا الصبر تقول: (اقتلوني ولا أصلي) ، وتقول مع ذلك: إنك مصدق بأنها فريضة.
نقول: هذا قول يخالف الفعل، وفعلك هذا يخالف كلامك.
ففي هذه الحال إذا صبر على القتل وأصر عليه نحكم بأنه جاحد، وأن إقراره باللسان يخالف ما في قلبه، فيخالفه عمله تركاً وإصراراً وصبراً على القتل، وهو دليل على أنه ليس مقتنعاً بأنها فريضة، فإذا قتل والحال هذه فإنه يعامل معاملة الكفار.
يعني: لا يتولاه المسلمون، فلا يغسلونه ولا يكفنونه ولا يصلون عليه، ولا يدفنونه في مقابر المسلمين، وتطلق منه زوجته في الحياة -مثلاً- وكذلك لا يرثه أقاربه المسلمون، ويعتبر مرتداً، ويعتبر ماله فيئاً، فإذا مات أحد من أقاربه فإنه لا يرثه إذا كان في هذه الحال.
فالحاصل أنه ذكر هنا أن (جاحدها كافر) ولو -مثلاً- عُرِّف وأمر وبين له فإنه يعتبر كافراً.