وهناك خلاف أصولي: هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة؟ تكلم العلماء على ذلك في أصول الفقه، ورجحوا أنهم مخاطبون بها وإن كانت لا تقبل منهم، ويكون خطابهم بمعنى زيادة العقوبة عليهم، فيقال مثلاً: هذه عقوبتك على الشرك، وهذه عقوبتك على ترك الصلاة، وهذه عقوبتك على ترك الصوم وهكذا، وإلا فلو أنهم صلوا وهم مشركون ما قبلت منهم ولا أجروا عليها.
ثم هو معروف أن كلمة (تجب) بمعنى: تلزم، أي أنها واجبة وجوباً مؤكداً، لا تجب إلا على المسلم المكلف.
والمكلف: هو البالغ العاقل، هذا تعريف التكليف: البالغ العاقل، فيخرج بذلك الصغير، فإنه لا تجب عليه، وأمره بها أمر تعليم وتدريب، ويخرج بذلك أيضاً فاقد العقل، وهو المجنون، فإنه مرفوع عنه القلم حتى يفيق، فإن الله تعالى إنما خاطب بالواجبات من يعقل، ومعلوم أن فاقد العقل لا يفهم، ولا يدري ما يقال له، ولا يميز بين الواجب وغيره، وعلامة ذلك: أنه يفعل الأفعال التي لا يقرها العقل وليس معه ما يميز به بين النافع والضار.
ويستثنى من هذا الوصف الحائض والنفساء، فتسقط عن الحائض والنفساء في زمن الحيض وزمن النفاس، فلا تجب عليها الصلاة، ولا يلزمها قضاؤها كما تقدم في الحيض، وتقدم أن السبب استمرار هذا العذر وهذه النجاسة، ومشقة القضاء عليها، حيث إنه قد يجب قضاء خمسة عشر يوماً وأربعين يوماً في الحيض، فيكون في ذلك صعوبة.
وبعد ذلك صرح بما يحترز به عن مسلم مكلف، وعرفنا أن (مكلف) احترازاً من مجنون وصغير، فلا تصح من المجنون ولا يؤمر بها؛ لأنه لا يحسن ولا يفهم ولا يدري ما يقال له، وكذلك من الصغير غير المميز، وأما إذا كان مميزاً فإنه يؤمر بها، ويكون أمره للتدريب، حتى يألفها لصغره، وحتى تخف عليه عند التكليف، وحددوا الصغر الذي يميز معه بسبع سنين، وقد ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع) .
الأمر هاهنا للأولياء؛ فهل هو للوجوب أم للاستحباب؟ النبي عليه الصلاة والسلام يقول لنا: (مروا أولادكم) هذا الأمر قال بعضهم: إنه للوجوب، ويلزم الولي أن يأمر أولاده ذكوراً وإناثاً بالصلاة لتمام سبع، ولكن القرينة وهي أنه ما أمر بالضرب إلا لتمام عشر تدل على أن الأمر ليس للإلزام، وإنما هو للتعليم والتدريب، فإذا بلغ سبع سنين ودخل في الثامنة فإن والده وولي أمره يأمره، ويستدعيه، ويأخذ بيده إلى المسجد ويعلمه ما يلزم، فيعلمه الطهارة، ويعلمه اجتناب النجاسة، ويعلمه الصلاة بقدر ما يستطيع، فيعلمه ما يقول في القيام، وما يقول في الركوع والسجود، وما يقول في القعود وفي الرفع من الركوع، ويعلمه الطمأنينة والخشوع، ويعلمه الإقبال على الصلاة وعدم الحركة والالتفات، ويدربه على ذلك.
كما أنه في هذه السن يحافظ عليه أيضاً، فيحفظه عن المحرمات، ويبعده عن السفه، ويبعده عما هو محرم أو منكر -مثلاً- كرؤية الصور القبيحة والأفلام الخليعة، وكذلك سماع الأغاني والملاهي وما أشبهها؛ لأنه في هذه السن يألف ما يسمع، وينطبع في ذاكرته ما يقال له، ويتدرب على هذا السماع المحرم، ويكون ذلك سبباً في انخراطه، أو في توغل هذه المنكرات في قلبه، فيصعب بعد ذلك تخليصه.
ويضرب على تركها لعشر؛ ولذلك لأن العشر مظنة البلوغ، والأصل أن أقل ما يبلغ فيه الصبي إذا تم عشر سنين.
فيوجد كثير ممن يحتلم وقد تم له عشر سنين.
ودخل في الحادية عشرة، أو مثلاً يبلغ بالإنبات أو نحوه، فإذا بلغ عشر سنين فهو مظنة البلوغ، فيضرب على تركها.
وهل الضرب ضرب تعليم أو ضرب تأديب؟ الصحيح أنه ضرب تعليم.
يعني: لا يشدد فيه، بل يضربه ضرب تعليم حتى يعلم ذلك؛ لأنه لا يزال في سن الصغر غالباً، فيعلمه تعليماً وفيه شيء من الشدة.
هذا ما يتعلق بمن تلزمه.