الأصل أن العلماء يبدءون بكتاب الصلاة، ولكن بدءوا بالطهارة لأنها شرطها، والعادة أن الشرط يتقدم المشروط، واستطردوا في كل ما يتصل بالطهارة، وفي كل ما له صلة بإزالة النجاسات وما أشبهها، وإن كانت عادة المؤلفين الأولين أن يرتبوا كتبهم على ترتيب أركان الإسلام، فيبدءون بالشهادتين، ثم بالصلاة، ثم بالزكاة، تم بالصيام ثم بالحج.
فعل ذلك مسلم في صحيحه، وكذا البخاري في تقديمه للإيمان الذي هو مضمون الشهادتين، ثم الصلاة، ثم الصوم -إلا أن البخاري أخر الصوم عن الحج- ثم بالحج، وهذا هو الترتيب المعتاد.
ولما كان التوحيد هو العقيدة الأساسية أفرد بعد ذلك بكتب، فجعلت باسم التوحيد أو الإيمان، أو السنة، أو الشريعة، وجعلت كتب التوحيد مفردة لأهميتها، وجعلت بقية الأحكام مجموعة، وقسموا الأحكام أربعة، فبدءوا بالعبادات؛ لأنها حق الله، فإذا انتهوا من العبادات التي هي حق الله بدءوا بالمعاملات التي فيها كسب المال؛ لأن الإنسان بحاجة إلى كسب المال الذي هو قوته، والذي هو مادة حياته، ثم بعد ذلك بالنكاح؛ لأنه أيضاً من تمام الضرورات، ثم ختموا بالحدود والجنايات؛ لأنها تنتج عمن كملت عليه النعمة، واتصلت نفسه بعد ذلك بالعدوان وبالظلم.