أجرة الأجير تجب بالعقد ما لم تؤجل

قال المصنف رحمه الله: (وتجب الأجرة بالعقد ما لم تؤجل) أي: أجرة العامل يستحقها بالعقد، هذا هو الأصل، فإذا تعاقد اثنان على حفر هذه البئر، أو على بناء هذا الجدار، أو على خياطة هذا الثوب، أو إصلاح هذه السيارة، أو على سكنى هذه الدار، فإن هذا العقد يستحق به الأجرة من حين يتم العقد، وتجب الأجرة بالعقد ما لم تؤجل أو تقدر، فالمسلمون على شروطهم.

وفي هذه الأزمنة في هذه البلاد العادة أنه إذا استأجر داراً دفع نصف الأجرة مقدماً، والنصف الثاني بعد نصف سنة، يعني: في مبدأ النصف الثاني يسلم نصف الأجرة المتبقية، وأصبح هذا عرفاً، وفي بعض البلاد يدفع أجرة السنة كلها مقدماً قبل أن يستلم الدار، وهذا هو الأقرب: أنه يملك المالك الأجرة بنفس العقد، وإن اتفقا على أن يؤجره، ويعطيه كل شهر قسطاً جاز ذلك، وإن منعه وقال: لا أعطيك حتى تنتهي من العمل مخافة التهاون والتأخير فله ذلك، فيقول للأجير المشترك: تخيط هذا الثوب في يومين، فقال: أعطني الأجرة، فقال: أخشى إذا أعطيتك أن تتساهل ويبقى عندك الثوب أسبوعاً أو عشرة أيام، فأمسكها عندي حتى تنتهي منه بسرعة، أو نجارة هذا الباب، أو إصلاح هذا الباب من حديد، أو هذه النافذة -مثلاً- في أربعة أيام، فإذا منعه من الأجرة حتى ينهي العمل، وقال له: لا أسلمك الأجرة مخافة التساهل فله ذلك.

والحاصل: أن الأجرة تملك في الأصل بالعقد ما لم تؤجل، وإن كان مقدراً بالعمل فإنها تكون عند نهاية العمل، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه) ؛ وذلك لأنه عرق جبينه؛ ولأنه عمل يديه، فلا يجوز تأخير أجرته عنه، ونسمع أن كثيراً من أهل المؤسسات ونحوهم يؤخرون أجرة العمال، فيستأجر بعضهم كل عامل بستمائة أو ثمانمائة ليعملون له، ثم يمضي عليهم شهران وثلاثة أشهر أو خمسة أشهر وربما أكثر وهو لا يعطيهم أجرتهم، وربما يعطيهم كل شهر -مثلاً- خمسين ريالاً، ويقول: لحاجاتكم الضرورية، وإذا قيل له: لماذا لا تعطيهم؟ يقول: أخشى أن يهربوا، إنهم جاءوا على كفالتي وتحت مسئوليتي، وقد يجدون من يغريهم، ويقول: أنا أعطيكم في الشهر ألف ريال أو أكثر، فيأخذهم علي، ويعملون عنده بدون رخصة، فأنا أحبس الأجرة، فهل هذا يجوز؟!

صلى الله عليه وسلم هذا حرامٌ عليك، فأنت تعرف أنهم فقراء، وما جاءوا إلا لفقرهم وحاجتهم، وقد يكون وراءهم أرامل وعوائل وذريات بحاجةٍ إلى من ينفق عليهم، وقد يكونون أيضاً: مدينين، فبعضهم يستدين حتى يأتي إلى هذه البلاد، وربما يستدين ألفاً أو خمسة آلاف حتى يعطيها لصاحب المكتب، فحرامٌ عليكم أن تؤخروا أجرتهم وأنتم تعلمون حاجتهم، وإذا هربوا فإنهم لا يقدرون على العمل، فجوازاتهم عندكم قد أمسكتموها، لا يقدرون على الهرب ولا على السفر إلا بها، وقد منعت الحكومة أن يعمل أحد عند غير كفيله، ومن عثر عليه وهو يعمل عند غير كفيله فإنه يستحق الجزاء، فلذلك أنت آمن من أن يهربوا، وأنت ظالم لتأخير أجرتهم عنهم، بل أعطهم أجرتهم شهرياً كما هو الاتفاق بينك وبينهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015