قال المصنف رحمه الله: (ولا يضمن أجير خاص ما جنت يده خطأً) : مثلاً: لو أخطأ في تفصيل الثوب فلا يضمن، إذا كان -مثلاً- يخيط لك ثياباً تختص بك أنت، أو أخطأ في سقي الأشجار فمات بعضها؛ فلا يضمن ما تلف بيده.
وهكذا -مثلاً-: إذا كان يصلح الساعات التي هي لك أنت، وأخطأ وخربت واحدة؛ فإنك لا تضمِّنه، وهكذا بقية الأعمال، فلو أحرق الثوب الذي يكويه وهو لك، لم يضمن ما جنت يده خطأً.
وكذلك الحجام الذي عُرف حذقه وإحسانه للحجامة لا يضمن، فلو أنه -مثلاً- لما حجم إنساناً سمم الجرح ومات ذلك المحجوم، فلا يضمن الحجام؛ لأنه معروف ومشهود له بالذكاء وبالحذق.
وكذلك الطبيب المشهود له بالطب والحذق، فإذا طبب إنساناً ومات، أو عاب أحد أعضائه، أو عالج العين -مثلاً- فعميت، أو عالج الأذن فصمت، أو عالج يداً فشلت، أو عالج لساناً فشل، أو ضرساً فانقلعت الأضراس، أو ما أشبه ذلك؛ فلا ضمان عليه إذا عرف حذقه، وأما إذا كان غير حاذق، فإنه يضمن، وقد ورد في ذلك حديث: (من تطبب ولم يعرف بطبٍ فهو ضامن) أي: إذا كان ليس أهلاً للتطبب -أي: ليس أهلاً للعلاج-، وليس معه مؤهلات العلاج، وعالج عيناً أو صدراً أو ظهراً أو يداً أو قدماً؛ فحصل شلل أو حصل فقد حاسةٍ كبصر أو كلام أو شم، أو فقد عضواً كعين أو أصبع، فإنه يضمن.
قوله: (وبيطار) أي: وكذلك: البيطار: وهو الطبيب الذي يعالج الدواب، فهناك من يتخصصون في علاج البقر أو الإبل أو الخيل، ومنهم من يكون حاذقاً مجرباً عارفاً، وقد يحصل أن الشاة التي عالجها تموت -مثلاً- أو أن الفرس تتعيب بسبب علاجه، فلا يضمن إذا كان حاذقاً معروفاً، بشرط أن يأذن له في العلاج الولي أو إنسان مكلف، فلو أن البيطار تطبب في طفل -ولو كان حاذقاً- ولم يأذن وليه، فإنه يضمن؛ وذلك لأنه لا يحق له أن يعالج بغير إذن الولي.
أما إذا كان المريض مكلفاً حراً، بالغاً رشيداً، وطلب من الطبيب أن يعالجه، فإنه يعتبر علاجه مأذوناً فيه، فلا يضمن الطبيب.
وهكذا كل من يعمل عملاً مأذوناً فيه، -فمثلاً- الختّان لو عرف بحذقه، وقطع بعض الذكر خطأ؛ فلا يضمن إذا كان حاذقاً.
والحلاق إذا جرح الرأس، وحصل تسممٌ في تلك الجروح أو حصل الموت؛ فإنه لا يضمن إذا كان معروفاً بإحسان الصنعة.
وكذلك: لو خرج في الإنسان -مثلاً- خراج -وهي القروح والبثور التي تكون في البدن- ثم تطبب طبيب وشق الجلد ليشق تلك الخروق، فتسمم الجرح؛ فإنه لا يضمن إذا كان من أهل الحذق.
ثم اشترط المصنف أيضاً شرطاً فقال: (ولم تجن أيديهم) أي: أما إذا جنت اليد -يعني: تعدت- فإنه يضمن، فمثلاً: الحجام معروف أنه بحجامته يجرح جروحاً يسيرة، ولكن لو أنه بالغ في الجرح، فشق الجلد إلى أن وصل -مثلاً- إلى العظم، فهذه جناية مضمونة، وكذلك الطبيب والبيطار لو قدر -مثلاً- أنه عمل جناية فيها شيء من التعدي فإنه يضمن.
يقول: (ولا راعٍ ما لم يتعدَ أو يفرط) الراعي: راعي الغنم أو البقر أو الإبل أجير خاص يعمل بالأجرة، فلا يضمن، فلو عدى الذئب -مثلاً- وافترس شاةً فلا يضمن.
وكذلك: لو جاء إليه لصوص وغصبوه فأخذوا من الدواب شيئاً، ولم يقدر على مقاومتهم؛ فإنه لا يضمن، أما إذا تعدى أو فرّط فإنه يضمن.
وقد عرفنا أن التعدي هو: الاستعمال، وأن التفريط هو: الإهمال، فإذا تعدى بأن ربط شاةً ليحلبها فجاء السبع ولم تستطع الهرب، فإنه يضمن؛ لأنه قيدها.
وكذلك: لو حمل على البعير أكثر مما يطيق فعقر فإنه يضمن، وهكذا: لو فرط بأن نام وضاعت الدواب، أو غفل وتركها تذهب فضاعت أو افترست فإنه يضمن؛ لأن هذا تفريط.