قال المصنف رحمه الله تعالى: [وعلى المؤجر كل ما جرت به عادةٌ وعرفٌ، كزمام مركوب وشد، ورفع وحط، وعلى مكترٍ نحو محمل ومظلة، وتعزيل نحو بالوعة إن تسلمها فارغةً، وعلى مكرٍ تسليمها كذلك.
فصلٌ: وهي عقدٌ لازمٌ، فإن تحول مستأجرٌ في أثناء المدة بلا عذر فعليه كل الأجرة، وإن حوله مالكٌ فلا شيء له، وتنقضي بتلف معقود عليه، وموت مرتضع، وانقلاع ضرس أو برئه ونحوه.
ولا يضمن أجيرٌ خاص ما جنت يده خطأً، ولا نحو حجام، وطبيب، وبيطار عرف حذقهم إن أذن فيه مكلفٌ أو ولي غيره ولم تجن أيديهم، ولا راعٍ ما لم يتعدَّ أو يفرط.
ويضمن مشتركٌ ما تلف بفعله لا من حرزه ولا أجرة له.
والخاص: من قدر نفعه بالزمن، والمشترك بالعمل.
وتجب الأجرة بالعقد ما لم تؤجل، ولا ضمان على مستأجر إلا بتعد أو تفريط، والقول قوله في نفيهما.
فصلٌ: وتجوز المسابقةُ على أقدام وسهام وسفن ومزاريق، وسائر حيوان لا بعوض، إلا على إبل، وخيل، وسهام.
وشرط تعيين مركوبين، واتحادهما، وتعيين رماة، وتحديد مسافة، وعلم عوض، وإباحته، وخروجٌ عن شبه قمار، والله أعلم] .
قد عرفنا شروط الإجارة، ومنها معرفة المنفعة كسكنى دار، وكون المنفعة مباحة، ومعرفة الأجرة.
وذكرنا أن الإجارة ضربان: إجارة عين، وعقدٌ على منفعة، وأن المنفعة: هي ما يتقبله الأجير في ذمته، كأن يلتزم خياطة ثوب، أو بناء حائط، أو طحن خبز، أو دبغ جلد، أو خرازة قربة، فهو عمل معين في الذمة يشترط تقديره أو تحديده بمدة، كبناء دار وخياطة، وشرط معرفة ذلك وضبطه، وشرط كون الأجير آدمياً جائز التصرف، وشرط كون العمل لا يختص صاحبه أن يكون من أهل القربة؛ لأن القربات يتقرب بها إلى الله، ولا يؤخذ عليها أجر.
وهنا نذكر ما يلزم المؤجر وما يلزم المستأجر، فالمؤجر إذا أجر دابةً، والتزم أن يسوقها -مثلاً: استأجره إنسان- فعليه ما جرت به العادة والعرف كزمام مركوب، وهو الحبل الذي يقاد به البعير، وشد: يعني رفع المتاع حتى يشده على ظهر البعير، وحط: إذا أنيخ البعير، فأجير المؤجر هو الذي يحط الرحل.
وأما المكتري فعليه المحمل والمظلة، كانوا إذا استأجروا بعيراً لركوب امرأةٌ فيه، عملوا لها محملاً ومظلة، وتسمى عمارية إذا كانت فوق البعير.
وتسمى هودجاً، تستتر فيه المرأة إذا ركبت على البعير، وقد يجعل على البعير هودجين عن يمينه وعن يساره، في كل واحد امرأة تدخل في وسطه ولا يراها أحد، وفي هذه الأزمنة المكري -المؤجر- مثل قائد السيارة، عليه وقودها، وعليه إصلاحها إذا خربت، وعليه قيادتها، وأما حط الرحل وشده وتنزيله فالعادة والعرف الآن أنه على صاحبه، وإذا كان العادة أنه يظلل السيارة، واحتيج إلى تظليل فإنه على حسب الشروط والعادات.
وإذا استأجره -مثلاً- لبناء حائط فالعادة أن اللبن، والطين، والإسمنت، والحديد، والأدوات الكهربائية تكون على صاحب المال -المؤجر-، وأما الأجير -الذي هو العامل- فعليه في العادة الأدوات التي يعمل بها، مثل: الأخشاب التي يصب عليها، ومثل الأدوات التي يرفع بها البلك إلى السطح، ومثل الخلاطة التي تخلط وتصب فوق السطح، فهذه على الأجير العامل، وهذا على حسب العرف والعادة.
وإذا استأجره لحفر؛ فإن الأدوات على الأجير -العامل-، فهو الذي يأتي بالحفار، ويأتي بالحبال وبالزنابيل التي يخرج بها التراب، وبالأدوات التي يحفر بها الأرض على حسب العادة.
وهكذا: إذا استأجره لخياطة فالماكنة على الخياط، وإذا استأجره لطحن فالماكنة التي تطحن على العامل، وهكذا قوله: (وتعزيل نحو بالوعة إن تسلمها فارغة) : عادةً أنهم إذا كان في الدار بالوعة -وهي ما يسمى الآن بالبيارة- فإن صاحب الدار يفرغها من الماء والأوساخ التي فيها ثم يسلمها، والأجير -أيضاً- إذا انتهى من الأجرة وأراد الرحيل فإنه يفرغها بأن ينزف ما فيها من الماء الذي حصل بسببه.
وكذلك أيضاً: الكنيف الذي عادةً أنهم يجعلونه محلاً لقضاء الحاجة، إذا تسلمه فارغاً فإنه يفرغه عند خروجه من الدار، وكذلك قمامة الدار إذا تسلمها وهي نظيفة، فلابد أنه يخرج ما فيها من القمامة.