التقسيم الذي يراه ابن الصلاح هو الذي استقر عليه الاصطلاح، وهو أن الحسن ينقسم إلى قسمين، حسن لذاته، وحسن لغيره، فالحسن لذاته الذي لا يخلو رجال إسناده –هذا كلام الترمذي- القسم الثاني هو الحسن لذاته، والقسم الأول الحسن لغيره، "أحدهما: الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستورٍ لم تتحقق أهليته غير أنه ليس مغفلاً كثير الخطأ" يعني شديد الضعف، إنما ضعفه خفيف محتمل يقبل الانجبار، "ولا هو متهم بالكذب" يعني ليس بشديد الضعف، "ويكون متن الحديث قد روي مثله أو نحوه من وجهٍ آخر، فيخرج بذلك عن كونه شاذاً أو منكراً"، ثم قال: " وكلام الترمذي على هذا القسم يتنزّل" وهو ما عرف عند المتأخرين بالحسن لغيره، يقول الحافظ ابن كثير، "قلت: لا يمكن تنزيله لما ذكرناه عنه" يعني عن الترمذي من قوله: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، كيف ننزل كلام الترمذي على الحسن لغيره؟ والحسن لغيره لا بد أن يروى من طرق يرتقي بها من الضعف إلى الحسن، وهو يقول: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه؟
فللعلماء أجوبة عن ذلك، أما أن يكون غريب بالنسبة لهذا الراوي، وأنه روي عن غيره، غريب بهذا اللفظ وإن روي بألفاظٍ أخرى إلى أقوال كثيرة، كل هذا لتوجيه كلام الترمذي، وعدم إهداره، وإلا فما قعّده لا ينطبق على جامعه، وما حكم عليه من الأحاديث الحسان.
القسم الثاني: يقول: "أن يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة ولم يبلغ درجة رجال الصحيح في الحفظ والإتقان -يعني خف ضبطه- ولا يعدّ ما ينفرد به منكراً، ولا يكون المتن شاذاً ولا معللاً، وعلى هذا يتنزّل كلام الخطابي" وهو قريب من قولهم: حسن لذاته.
وقال: بان لي بإمعان النظر ... أن له قسمين كل قد ذكر
قسماً وزاد كونه ما عللا ... ولا بنكرٍ أو شذوذٍ شملا
فكلام الخطابي يتنزل على الحسن لذاته، وكلام الترمذي يتنزل على الحسن لغيره، على أنه استقر عند المتأخرين تعريف الحسن لذاته بأنه: ما رواه عدل حف ضبطه بسندٍ متصل غير معلل ولا شاذ، والحسن لغيره: هو الضعيف على ما سيأتي في حده القابل للانجبار إذا تعددت طرقه.