ومن الأمثلة الظاهرة أيضاً، وهي موجودة رواية الصحابي عن التابعي، والصحابي أجلُّ قدراً، رواية التابعي الكبير عن التابعي الذي دونه في السن وهذا كثير، فصالح بن كيسان روايته عن ابن شهاب كثيرة جداً، وهو أكبر منه بكثير، لكنه العلم ليست فيه محاباة، من حمله بحقه وعمل به ساد غيره، وساد قومه وغيرهم، فينبغي أن يحمل عن أهل العلم العاملين به، وإن كانوا صغاراً في السن، وقد مثل بين يدي الإمام مالك ولما يتجاوز العشرين من عمره أئمة كبار.
يقول: "وكذلك في صحيح البخاري رواية معاوية بن أبي سفيان -وهو صحابي كما هو معروف- عن مالك بن يُخامر -وهو تابعي- عن معاذ" صحابي عن تابعي عن صحابي "وهم بالشام، في حديث: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق)) "، "وقد روى العبادلة عن كعب الأحبار" وتقدم ذكرهم: ابن الزبير، ابن عمر، ابن عمرو، ابن عباس، العبادلة الأربعة: ابن الزبير، ابن عمر، عبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن عباس، وليس ابن مسعود منهم، وإن وهم بعضهم كصاحب الصحاح فجعله منهم، فله أوهام مثل هذا كثيرة.
"وقد حكى عنه -يعني عن كعب الأحبار- عمر" على جلالة قدره، ولتقدم سنه، وكعب تابعي حكماً، كما حكى عنه علي وأبو هريرة وجمع من الصحابة يحكون عنه، ما في كتب أهل الكتاب؛ لأنه من أحبار بني إسرائيل فلما أسلم حمل عنه الناس ما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بالحديث به، وقال: ((حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)) والأخبار التي تتلقى عن أهل الكتاب إن جاء في شرعنا ما يؤيدها فهي تروى كما تروى أخبار العالم، وعِبَر الأمم الماضية، ولا يعتمد عليها؛ لأن في شرعنا ما يغني عنها، لكن في أخبارهم الأعاجيب كما جاء في رواية البزار، أما إذا جاء في شرعنا ما يخالف وينقض هذه الأخبار، وإن كانت في شرعهم فإنها لا يعتمد عليها ولا يعول عليها، ولا تتداول إلا ببيان أنها منقوضة في شرعنا، والنوع الثالث وهو الذي لا مؤيد له ولا معارض من شرعنا هذا الذي تجوز روايته ((حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)).