لا ما هو بيتوضأ مرة، يتوضأ مرة لا بأس، لكن عناية المتقدمين غير هذا، طرائقهم في التأليف والتصنيف أمرٌ سهل سمح، يكتبون ما تيسر من غير مقدمات ولا عناية باصطلاحات ولا شيء، يحفظون العلم بهذه الأوراق وإلا فالأصل هي في الصدور، يحفظونها في الأوراق لمن جاء بعدهم، ولذا الترف عند المتأخرين في التأليف وصل إلى حد يجعل الأمور الشكلية والعناية بها أهم من المحتوى والمضمون، ولذا لا تجدون البركة في علم المتأخرين، يعني ترتيب منطقي، تعريف الحد لغةً واصطلاحاً، وتصوير المسألة، والاستدلال لها، وذكر من خالف، المتقدمون ما يقولون بهذا كله، أمور معروفة يحتاج إلى تعريف؟ الإجارة تخفى على أحد؟ نعم يذكرون لها كم تعريف؟ وهي أمر لا يخفى على أحد، ولذا لو تبحثون في الكتب المتقدمين من بيعرف الإجارة؟ أو من يعرف البيع؟ أو من يعرف .. ؟ تعريف الأمور المعروفة التي يزاولها الناس في حياتهم اليومية هذا ما يعتني به طالب الآخرة، إلا أنه فرض نفسه بعد ذلك، صار الذي لا يعرّف نقص، وقد يحتاج إليه التعريف في العصور المتأخرة لما دخل في العلم والتعلم من ليسوا بأهل، طرأ على الأفهام ما طرأ، والمناطقة يقولون: الحكم على الشيء فرع عن التصور، لا بد أن تتصور، فتعرف أولاً، ثم تحكم.
على كل حال هذا استطراد وسببه هذا العدد الذي ذكر من أربعين ألف إلى مائة وأربعة عشر ألف، وأكثرهم رواية هم متفاوتون في الملازمة، وفي الحفظ، وفي الرواية والضبط والاهتمام، كل له اهتمامه، منهم من يهتم بالجهاد، ومنهم من يهتم في الإنفاق بالصدقة، ومنهم من يتهم بالعبادات الخاصة، ومنهم من يهتم لحفظ العلم، ولذا أكثرهم رواية ستة: أنس بن مالك وجابر بن عبد الله وابن عباس عبد الله، وعبد الله بن عمر وأبو هريرة وعائشة، هؤلاء هم المكثرون من الصحابة، وأعداد ما رووه لا على طريق التحرير، وإنما من يحيط بالروايات كلها جعلوا مسند بقي بن مخلد اللي هو أوسع الأسانيد، جعلوه مقياس، فذكروا، عدوا ما فيه من روايات أبو هريرة خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعين أو قريب من هذا، فهو أكثر الصحابة وحافظهم على الإطلاق.