بعض الناس إذا رأى الأعمال الظاهرة، وما ينقل عن الصحابة وعن الخلفاء استروح ومال من خلال هذه النقول مما يتعلق بالأعمال الظاهرة إلى تفضيل عمر، ولا شك أن عمر له مواقف كثيرة، وذكره قد يفوق ذكر أبي بكر في كثيرٍ من الأمور الظاهرة، وأبو بكر -رضي الله عنه- ما فاق الناس بكثرة صيامٍ ولا صلاة، إنما فاقهم بما وقر في قلبه، وهذا أمرٌ يغفل عنه كثيرٌ من الناس، ومثله ما ذهب إليه بعضهم من تفضيل علي -رضي الله عنه- لنباهة ذكره بين الصحابة، ولقربه من النبي -عليه الصلاة والسلام- على عثمان، ولم يلتفتوا إلى أن الميزان هو القلب، وهذا أمرٌ خفي لا يُطّلع عليه، لكن إذا وجد النص قضى على كل قال، فالنص المستفيض عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، بل الذي قد يصل إلى حد التواتر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر أفضل الأمة وأنه أبو بكر -رضي الله عنه-، ثم عمر، ثم عثمان، ثم ربع بعلي -رضي الله عنه-، في حديث ابن عمر وغيره في الصحيحين.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما دعوتُ أحداً إلى الإيمان إلا كانت له كبوة إلا أبا بكر فإنه لم يتلعثم)) بادر، دُعي إلى الإسلام فأجاب، ولذا هو أول من أسلم من الرجال كما هو معروف، يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "وقد ذكرتُ سيرته وفضائله ومسنده، والفتاوى عنه في مجلدٍ على حدة" والأمر يحتمل أكثر من ذلك، إذا دُرس أبو بكر -رضي الله عنه- من جميع الجهات، فكلُّ نوعٍ وفرعٍ من أنواع المعرفة يحتاج إلى مجلد.
يقول: "ذكرتُ سيرته وفضائله" ورد في ذكره والتواريخ مملوءة بذكر أخباره وسيرته العطرة، فضائله أيضاً النصوص دلت على ذلك، وفيها كثرة أيضاً، وإذا خُرجت هذه النصوص جاءت في مجلد، مسنده أيضاً، وما رواه من الأحاديث على أنه لم يكن من المكثرين، لكنه روى جملة صالحة من السنة وحفظها، والفتاوى عنه نقل عنه في هذا الباب، بل هو من سادات الموقعين عن الله -سبحانه وتعالى-، وقد ذكره ابن القيم وغيره في صدر من يفتي بعد النبي -عليه الصلاة والسلام-، يقول: "والفتاوى عنه في مجلدٍ على حدة، ولله الحمد" مع أن الأمر يحتمل مجلدات.