كم يحفظ الأصمعي من قصيدة؟ ستة عشر ألف قصيدة، بعضها يبلغ المائتي بيت، كلها عن العرب الأقحاح ويقول هذا الكلام، وعندنا آحاد المتعلمين لا يتردد في بيان معاني الشرع، معاني النصوص من غير مستند، هذا دليلٌ على الجهل، والله المستعان، فعلينا أن نعتني بهذا الباب، وليس معنى هذا أننا نترك هذا يحثنا على إيش؟ أن نطالع في كتب الغير، ونستفيد منها، وما قاله أهل العلم في معاني كلام الرسول -عليه الصلاة والسلام-.
"قال الحاكم: أول من صنف في ذلك -في غريب الحديث- النضر بن شميل، وقال غيره: أبو عبيدة معمر بن مثنى" على كل حال صنف في هذا العلم جمعٌ يضمهم عصرٌ واحد، فلا يدرى أيهم السابق.
يقول: "وأحسن شيء وضع في ذلك كتاب أبي عبيد القاسم بن سلام" وهو إمام، ومحله في معرفة النصوص ومعرفة الآثار، وأقوال الصحابة ومن بعدهم، ومنزله في الدين وإمامته معروفة لدى الخاص والعام، فينبغي أن يعتنى بكتابه، "وقد استدرك عليه ابن قتيبة أشياء" واستُدرك على ابن قتيبة أشياء، على كل حال هذه الكتب تنبغي العناية بها، وليس مؤلفيها من أهل العصمة لكي يقال: كيف يستدرك على فلان؟ كيف يستدرك على علان؟ لا، كلٌ قابل لأن يؤخذ من قوله ويرد إلا النبي -عليه الصلاة والسلام-.
"فأورد زيادات، وقد صنف ابن الأنباري المتقدم، وسُليم الرازي وغير واحد" ألفت كتب كثيرة في غريب الحديث، وطبع منها مجموعة من الكتب، يستفاد أيضاً من غريب الحديث من غير كتب الحديث، من كتب اللغة يستفاد، لكن ينبغي أن نعتني ونتهم بكتب المتقدمين الذين لم يتأثروا بالمذاهب لا الكلامية ولا الفرعية؛ لأن من تأثر بالمذاهب أثر ذلك في اختياره المعنى المناسب للمقام؛ لأن كل كلمة يأتي لها معاني عن العرب، لكن ما المعنى المناسب لهذا السياق؟ المعنى المناسب للسياق لا شك أنه لا يستطيع تحديده من تخصص باللغة فقط، كما أنه لا يستطيع تحديده من تخصص بالحديث فقط، وهو لا يعرف من لغة العرب شيئاً، فلا بد لمن يتصدى لهذا الشأن أن يكون ممن جمع بين الأمرين معاً، لا بد أن يكون على قدرٍ كبير من معرفة لغة العرب، وأن يكون عارف بالحديث وطرقه ورواياته؛ لكي يختار اللفظ المناسب في السياق المناسب، أو للسياق المناسب.