وأما إذا لحن الشيخ فالصواب أن يرويه السامع على الصواب، وهو محكيٌ عن الأوزاعي وابن المبارك والجمهور، وحكي عن محمد بن سيرين وأبي معمروٍ عبد الله بن سخبرة أنهما قالا: يرويه كما سمعه من الشيخ ملحوناً، قال ابن الصلاح: وهذا غلوٌ في مذهب اتباع اللفظ.

وعن القاضي عياض: إن الذي استمر عليه عمل أكثر الأشياخ أن ينقلوا الرواية كما وصلت إليهم، ولا يغيروها في كتبهم، حتى في أحرفٍ من القرآن استمرت الرواية فيها على خلاف التلاوة، ومن غير أن يجيء ذلك بالشواذ، كما وقع في الصحيحين والموطأ، لكن أهل المعرفة منهم ينبهون على ذلك عند السماع وفي الحواشي، ومنهم من جسر على تغيير الكتب وإصلاحها، منهم أبو الوليد هشام بن أحمد الكناني الوقشي لكثرة مطالعته وافتنانه، قال: وقد غلط في أشياء من ذلك، وكذلك غيره ممن سلك مسلكه، قال: والأولى سد باب التغيير والإصلاح؛ لئلا يجسر على ذلك من لا يحسن، وينبه على ذلك عند السماع، وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل -رحمه الله- أن أباه كان يصلح اللحن الفاحش، ويسكت عن الخفي السهل.

قلتُ: ومن الناس من إذا سمع الحديث ملحوناً عن الشيخ ترك روايته عنه؛ لأنه إن تبعه في ذلك فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يلحن في كلامه، وإن رواه عنه على الصواب فلم يسمعه منه كذلك.

هذا الفرع مهمٌ جداً بالنسبة لمن يطلب العلوم الشرعية كلها، ولا يختص هذا بأهل الحديث، ولا أهل التفسير ولا أهل الفقه والعقائد وغيرها، لا بد لطالب العلم الشرعي من العناية بالعربية؛ لأن القرآن بلسانٍ عربي مبين، والرسول -عليه الصلاة والسلام- عربي، وكلامه عربي، والذي لا يحسن العربية يتعثر غالباً، وإذا كان اللحن لا سيما إذا كان يحيل المعنى يبطل الصلاة، إذا كان يحيل المعنى فاللحن في القراءة يبطل الصلاة، هذا يجعلنا نعتني بالعربية، إذا كان يحيل المعنى يغير الحكم الشرعي، وذكرنا له فيما تقدم أمثلة، فعلى طالب العلم أن يعتني بهذا، وأن يهتم به، وأن يقرأ كتاب -بل كتب- في العربية على من يفتح مغاليقها له، ممن عرف بذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015