اختصار الحديث إذا كان الحديث طويل، أو مشتمل على جمل متعددة لا يرتبط بعضها ببعض فإنه حينئذٍ يجوز اختصاره، شريطة ألا يحتاج المذكور للمحذوف، أو لا يتعلق المذكور بالمحذوف، وإذا جاز الاختصار في القرآن، والاقتصار على الحاجة منه فلأن يجوز في السنة من باب أولى، إذا ساغ لك أن تقول: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [(58) سورة النساء] وتسكت، أخطأت وإلا ما أخطأت؟ إذا كنت تتحدث عن الأمانة هل يلزمك أن تقول: {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} [(58) سورة النساء]؟ ما يلزم، وإذا أردت أن تتحدث عن العدل هل يلزمك أن تقول: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [(58) سورة النساء]؟ ما يلزم، فالاختصار جائز، لكن ممن يعرف وجوه الكلام، وارتباط بعضه ببعض، فيحذف ما لا حاجة إليه، ويختصر الحديث إذا لم يكن المحذوف متعلقاً بالمذكور، والذي عليه صنيع الإمام البخاري جواز الحذف، فتجد الإمام يقطع الحديث في مواضع، تبعاً لما يستنبط منها من فوائد، ويترجم على كل جزءٍ من الحديث بترجمة هي الفائدة المستنبطة من هذا الحديث، بخلاف "مسلم فإنه يسوق الحديث بتمامه ولا يقطعه، ولهذا يرجحه كثيرٌ من حفاظ المغاربة" على ما تقدم تقريره.
أول من صنف في الصحيحِ ... محمدٌ وخص بالترجيحِ
ومسلمٌ بعدُ وبعض الغربِ مع ... أبي عليٍ فضلوا ذا لو نفع
فالبخاري عند الجمهور مقدم ومرجح، وبعض المغاربة وأبو علي النيسابوري يفضلون مسلم؛ لهذه الحيثية، يجمع لك الحديث بطرقه وألفاظه في موضعٍ واحد، فيسهل على الطالب، لكن يفوت أمر مهم جداً، وهو إيش؟ الاستنباط من الحديث، إذا كان الحديث فيه فوائد كثيرة ومسلم أدخله في بابٍ واحد، والبخاري -رحمه الله تعالى- فرق هذا الحديث في مواضع هي فوائده، ترجم عليه بتراجم هي الفوائد المستنبطة من هذا الحديث، ففات شيءٌ عظيم من الاستنباط، وهذا فاق به الإمام البخاري غيره، وبز فيه أقرانه، فلا يوجد من يقاربه، ولا يدانيه في هذا، وإن وجدت تراجم من الأئمة على الأحاديث وفيها فقه وخيرٌ عظيم.