فرعٌ آخر: وأما روايته الحديث بالمعنى فإن كان الراوي غير عالمٍ ولا عارفٍ بما يحيل المعنى فلا خلاف أنه لا تجوز له رواية الحديث بهذه الصفة، وأما إن كان عالماً بذلك بصيراً بالألفاظ ومدلولاتها، وبالمترادف من الألفاظ ونحو ذلك فقد جوز ذلك جمهور الناس سلفاً وخلفاً، وعليه العمل كما هو المشاهد في الأحاديث الصحاح وغيرها، فإن الواقعة تكون واحدةً وتجيء بألفاظ متعددة من وجوهٍ مختلفة متباينة، ولما كان هذا قد يوقع في تغيير بعض الأحاديث منع من الرواية بالمعنى طائفة آخرون من المحدثين والفقهاء والأصوليين، وشددوا في ذلك آكد التشديد، وكان ينبغي أن يكون هذا المذهب هو الواقع ولكن لم يتفق ذلك، والله أعلم، وقد كان ابن مسعود وأبو الدرداء وأنس -رضي الله عنهم- يقولون إذا رووا الحديث: أو نحو هذا، أو شبهه، أو قريباً منه.
مسألة الرواية بالمعنى والخلاف فيها: مسألة معروفة مشهورة، جماهير أهل العلم على جواز الرواية بالمعنى لمن توافر فيه الشرط، للعارف بالمعاني ومدلولات الألفاظ، يعرف ما يحيل المعاني، ويعرف ما يدل عليه اللفظ، أما إذا لم يكن كذلك فلا يجوز بحال، وإن كان الأصل أن يحدث كما سمع، لكن هذا الأصل متعذر، والواقع يشهد بخلافه، فالقصة الواحدة تروى في الصحاح وغيرها من وجوه، المضمون واحد، المعنى واحد، والألفاظ مختلفة، فالبخاري يخرج القصة الواحدة في مواضع متعددة، تجد بينها من الفروق والاختلاف من حيث اللفظ الشيء الكثير، وهي قصة واحدة عن صحابيٍ واحد، فدل هذا على جواز الرواية بالمعنى قولاً وفعلاً، وغيرها أيضاً من كتب السنة هذا واقعها.