يقول: "ومن هنا ينبغي التحرز من الكذب كلما أمكن" الكذب لا شك أنها خصلة ذميمة، وأشده الكذب على الله وعلى رسوله -عليه الصلاة والسلام-، والكذب في حديثه مع الناس أيضاً معصية، وكبيرة من كبائر الذنوب، وإثمها على قدر الأثر المترتب عليها، وعلى كل حال تحديث الناس بما يخالف الواقع هذا هو حقيقة الكذب، وإن كان بعض صوره أبيحت للحاجة كالصلح بين الناس، للإصلاح بين الناس لا بأس، كذب الرجل على زوجته بقصد تأليفها مثلاً، منهم من يدخل في ذلك المناظرات العلمية، المقامات وغيره، المبالغات، الكلام الذي يبالغ فيه غير مطابق للواقع، حينما يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- فلان لا يضع عصاه عن عاتقه ((أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه)) هذه مبالغة، المبالغات فيها شيء من مخالفة الواقع، لكنها متجاوزٌ فيها، ومعفوٌ عنها، المناظرات التي يعقدها أهل العلم ولا حقيقةَ لها، يعقدون مناظرة بين سني وجبري مثلاً، سني وقدَري، بين العلوم، بين علم التفسير وعلم الحديث، قال علم الحديث كذا، وقال علم التفسير كذا، قال علم الفقه كذا، وقال علم الكلام كذا، يعقدونها كثيراً، هل هذا كذب وإلا صواب؟ صحيح الكلام وإلا كذب؟ مطابق للواقع أو غير مطابق؟ غير مطابق، أحياناً يعقد مناظرات على ألسنة الحيوانات والطيور، المقامات حدث الحارث بن همام قال، لا حارث ولا محروث، لا مُحدِث ولا مُحدَث، لكن قالوا: إن هذا يترتب عليه مصلحة ظاهرة، المفسدة مغمورة بجانبها فأجازوا مثل هذا، "فلا يحدث إلا من أصلٍ معتمد" لا يحدث من أصلٍ غير معتمد غير مقابل غير .. ، تكثر فيه الأخطاء، وحينئذٍ تنسب إليه هذه الأخطاء، "ويتجنب الشواذ والمنكرات فقد قال القاضي أبو يوسف: من تتبع غرائب الحديث كذب" لا بد أن يقع في الكذب؛ لأنه في يوم الأيام لا يجد شيئاً من الغرائب، وقد اعتاد الناس منه هذا واستدرجوه فلا يستطيع أن يرجع فيلجأ حينئذٍ إلى الكذب، ومنهم من يروي ذلك يقول: "من تتبع غرائب الحديث كُذِّب" يتعرض لتكذيب الناس إياه، وفي الأثر: ((كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع)) وهذا رواه مسلم في مقدمة الصحيح، أن يحدث بكل ما سمع؛ لأن من يحدث بكل ما سمع لا يؤمن أن ينقل الكذب مرة ثم مرة