يقول: "والصحيح أنه لا يكون توثيقاً له حتى ولو كان ممن ينص على عدالة شيوخه"، يعني ولو قال: "جميع أشياخي ثقات" لوجود الرواية عن الضعفاء فيمن نص على ثقة شيوخه، ولو قال: "حدثني الثقة" فإنه لا يكفي، بل لا بد أن يبين الاسم؛ لأنه قد يكون ثقة عنده وليس بثقةٍ عند غيره، ويقول الإمام الشافعي: "حدثني الثقة"، "حدثني من لا أتهم"، ويقصد بذلك إبراهيم بن أبي يحيى، إبراهيم بن أبي يحيى جماهير العلماء على ضعفه، بل ضعفه شديد، لكن قد يقول قائل: أنا ما دمت أقلد الإمام الشافعي في الأحكام، وفي الفروع وأوافقه في اجتهاده من غير نظرٍ في دليله لماذا لا أقلده في مثل هذا؟ نعم المقلد له أن يقلد ما ترجح عنده من أقوال الأئمة؛ لأنه فرضه التقليد، فإذا قال إمامك الشافعي: "حدثني ثقة" اقبل كلامه، كما أنه لو قال لك: هذا العمل حلال أو حرام تقبل قوله من غير دليل، أما أهل النظر الذي يستطيع أن ينظر ويوازن بين الأقوال لا يسوغ له أن يقلد أحداً ولو وثق على الإبهام، ولذا يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
ومبهم التعديل ليس يكتفي ... به الخطيب والفقيه الصيرفي
بل لا بد أن ينص على فلان بن فلان وأنه ثقة؛ لأنه قد يكون ثقةً عنده لا عند غيره، وهذا واضح، ولله الحمد، نعم.
قال: وكذلك فتيا العالم أو عمله على وفق حديث لا يستلزم تصحيحه له، قلتُ: وفي هذا نظر إذا لم يكن في الباب غير ذلك الحديث، أو تعرض للاحتجاج به في فتياه أو حكمه، أو استشهد به عند العمل بمقتضاه، قال ابن الحاجب: وحكم الحاكم المشترط العدالة تعديلٌ باتفاق، وأما إعراض العالم عن الحديث المعين بعد العلم به فليس قادحاً في الحديث باتفاق؛ لأنه قد يعدل عنه لمعارض أرجح عنده مع اعتقاد صحته.