تعرف العلل بجمع الطرق، تعرف العلل بجمع الطرق، فالباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطأه، إنما تبين العلة بجمع الطرق، فوظيفة طالب العلم الذي يريد أن يقف على العلل، لا بد أن يجمع الطرق، أما الأئمة الحفاظ المتقدمون الذين يحفظون مئات الألوف من الأحاديث، الطرق مجتمعة عندهم، لا يحتاجون إلى أن يجمعوا أكثر مما جمعوا، ولذا أناجيلهم في صدورهم، علمهم في صدورهم، مجرد ما يسمع الكلام الذي لا يليق به -عليه الصلاة والسلام-، أو حتى الكلام عن بعض الرواة التي لا تشبه مروياتهم يحكمون بأنها ليست من رواية فلان؛ لأنهم ضبطوا وحرروا وأتقنوا وحفظوا.
يقول: "ومن أحسن كتابٍ وضع في ذلك وأجله وأفحله كتاب "العلل" لعلي بن المديني شيخ البخاري، وسائر المحدثين بعده" علي بن المديني من أئمة هذا الشأن، وله مؤلفات في الحديث وعلومه وعلله، لكن مما يؤسف له أن أكثرها ضاع، ولم ينقل عنه إلا هذه القطعة، لم يبقَ منها إلا هذه القطعة التي طبعت في جزءٍ صغير، نعم أقواله محفوظة ومنقولة ومبثوثة في كتب أهل العلم، لكن يبقى أن علمه كان أكثر من ذلك، وكذلك كتاب العلل لابن أبي حاتم، وهو كتابٌ مطبوع في مجلدين، وحقق أيضاً في رسائل علمية، وهو مرتبٌ على أبواب الفقه.
وكتاب "العلل" للخلال، وله مختصر للموفق ابن قدامة، وهو كتابٌ جيد في بابه، يقع التعليل في كثيرٍ من كتب السنة، يقع في جامع الترمذي، ويقع كثيراً في سنن النسائي، تراجم النسائي علل، وإشارات أبي عبد الرحمن في آخر الأبواب علل، وكتابه من أنفس الكتب إلا أنه لصعوبته أحجم الناس عن شرحه، ولذا هو أفقر الكتب في الشروح، وقد تصدى لشرحه شخصٌ من المعاصرين بشرح جيد مطول، وجيد في الجملة، وإن كان أكثره نقول، لكنه في الجملة جيد، يخدم الكتاب، لا سيما متون الكتاب، إلا أنه لم يتعرض لهذه العلل لصعوبتها، يقع أيضاً التعليل في مسند البزار، والتعليل أيضاً يقع من الهيثمي في زوائده، مجمع الزوائد وغيرها، يشير إشارات طفيفة إلى هذه العلل.