"من الأول قول علي بن خشرم: كنا عند سفيان بن عيينة فقال: قال الزهري كذا، فقيل له: أسمعت منه هذا؟ قال: حدثني به عبد الرزاق عن معمر عنه"، سفيان بن عيينة لم يسمعه من الزهري، إنما سمعه عنه بواسطة عبد الرزاق عن معمر، يعني بواسطة اثنين، "وقد كره هذا القسم من التدليس جماعة من العلماء وذموه، وكان شعبة أشد الناس إنكاراً لذلك" من أجل التنفير، وإلا قال كلمات لا تليق به، حتى قال: "لأن أزني أحبّ إلي من أن أدلس" الزنا أمره شديد، لكن هذا مبالغة في التنفير والتشديد في التنفير عنه، كما قال ابن الصلاح: "وهذا محمول منه على المبالغة والزجر، وقال الشافعي -نقلاً عن شعبة أيضاً-: التدليس أخو الكذب، ومن الحفاظ من جرح من عرف بهذا التدليس من الرواة فرد روايته مطلقاً، وإن أتى بلفظ الاتصال"، يعني وإن قال: حدثني، وسمعته، "ولو لم يعرف أنه دلس إلا مرةً واحدة كما قد نص عليه الشافعي"، لكن الذي اعتمده أهل العلم أن المدلسين على طبقات، فمنهم من احتمل الأئمة تدليسه، إما لقلة هذا التدليس، أو لكونهم لا يدلسون إلا عن ثقات، أو لإمامتهم، ومن الرواة من لم يحتمل الأئمة تدليسه، فلم يقبلوا من رواياتهم إلا ما صرحوا فيه بالتحديث، ومن الرواة من لا يقبلوا منه ولو صرح بالتحديث لانضمام أمرٍ آخر من وجوه الضعف إلى التدليس، فالضعيف ولو صرح بالتحديث ما يقبل؛ لأنه ضعيف لأمرٍ آخر غير التدليس.
على كل حال المدلسون على مراتب وعلى طبقات بيّنها أهل العلم، العلائي، الحافظ ابن حجر، وغيرهم، "قال ابن الصلاح: والصحيح التفصيل بين ما صرح فيه بالسماع فيقبل، وبين ما أتى فيه بلفظ محتمل فيرد، قال وفي الصحيحين من حديث جماعة من هذا الضرب كالسفيانين والأعمش وقتادة وهشيم وغيرهم".
وفي الصحيح عدة كالأعمشِ ... وكهشيمٍ بعده وفتشِ
أقصد حديث المدلسين موجودة في الصحيحين، لكنها محمولة على الاتصال، منهم من يقول إحساناً للظن بالشيخين، ومنهم من يقول: أنها وجدت متصلة بطرق أخرى، على كل حال الصحيحان قد تلقيا بالقبول، وليس لأحدٍ أن يضعف بسبب تدليس، أو بسبب عنعنة.