الصحيح عرفه -رحمه الله- بقوله -تبعاً لابن الصلاح-: "الحديث المسند الذي يتصل بإسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه، ولا يكون شاذاً ولا معللاً" فقوله: "المسند" يأتي في تعريف المسند أقوال أهل العلم في المراد بالمسند، فالمسند هو المرفوع عند بعضهم، وعند بعضهم المسند هو المتصل، وعند آخرين هو المرفوع المتصل، من يجمع الأمرين معاً، فإذا قلنا: أن المراد بالمسند –المسند المرفوع- فيكون هذا التعريف خاص بما رفع عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وعلى هذا فما يضاف عن الصحابة والتابعين لا يسمى صحيح، وإذا قلنا: بالقول الثاني وهو أن المسند المتصل، متصل الإسناد فيشترط لصحة الخبر مرفوعاً كان أو موقوفاً أو مقطوعاً اتصال الإسناد، لكن لا حاجة لهذه الكلمة؛ لأنه يقول: "الذي يتصل إسناده" وعلى كل حال، على كل تقدير لا حاجة لهذه الكلمة فحذفها أولى، فيكون: الحديث الذي يتصل إسناده واتصال الإسناد في أن يكون كل راوٍ من رواته قد تحمل الحديث عمّن فوقه بطريق ٍمعتبر من طرق التحمل، وأدّاه إلى من بعده بطريقٍ أيضاً معتبر من طرق التحمل التي يأتي ذكرها -إن شاء الله تعالى-.
"يتصل إسناده بنقل العدل" لا بد أن يكون إسناده متصلاً بنقل العدول، الرواة العدول، والعدل عرفه أهل العلم بأنه من له ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة، الضابط الحازم الحافظ الذي يحفظ ويتقن ما يسمعه من حين السماع إلى الأداء، "بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه" في جميع طبقات السند، ولا بد من اشتراط العدالة والضبط، ومن مجموع العدالة والضبط يساوي الثقة؛ لأن الثقة هو العدل الضابط، ولهذا لو قال: هو الحديث الذي يتصل إسناده بنقل الثقة عن مثله لكفى، لكنه تبع في ذلك ابن الصلاح، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله-:
أجمع جمهور أئمة الأثر ... والفقه في قبول ناقل الخبر
بأن يكون ضابطاً معدلاً ... الخ كلامه -رحمه الله- الذي سيأتي في بابه في معرفة من تقبل روايته ومن ترد، "ولا يكون شاذاً" الشذوذ أيضاً مختلف فيه عند أهل العلم، لكن الذي استقر عليه اصطلاح المتأخرين هو ما يراه الإمام الشافعي -رحمه الله- من أنه تفرد الثقة مع المخالفة.