إليه النعمان بعده أبدًا؟ قالوا له: وهل عندك ذاك؟ قال: نعم. قالوا: فإنا نبلوك بشتم هذه البقلة، وقدّامهم بقلة دقيقة القضبان، قليلة الورق، لاصقة فروعها بالأرض، تدعى: التَّربة فاقتلعها من الأرض، وأخذها بيده، وقال: هذه البقلة الترَّبة التفلة الرذلة التي لا تذكي نارًا ولا تسر جارًا، عودها ضئيل، وفرعها ذليل، وخيرها قليل، بلدها شاسع، ونبتها خاشع، وآكلها جائع، والمقيم عليها قانع، أقصر البقول فرعًا، وأخبثها مرعى، وأشدها قلعًا، فحربًا لجارها وجدعًا! ألقوا بي أخا عبس، أرجعه عنكم بتعس ونكس، وأتركه من أمره في لبس.
فقالوا: نصبح ونرى فيك رأينا، فقال لهم عامر: انظروا إلى غلامكم هذا، فإن رأيتموه نائمًا، فليس أمره بشيء وإنما تكلم بما جرى على لسانه، وإن رأيتموه ساهرًا، فهو صاحبكم؛ فرمقوه بأبصارهم، فوجدوه قد ركب رحلًا يكدم واسطته حتى أصبح، فلما أصبحوا قالوا: أنت والله صاحبه، فحلقوا رأسه، وتركوا له ذؤابتين، وألبسوه حلة، وغدوا به معهم، فدخلوا على النعمان، فوجدوه يتغدى ومعه الربيع ليس معه غيره، والدار والمجالس مملوءة بالوفد، فلما فرغ من الغداء أذن للجعفريين، فدخلوا عليه والربيع إلى جانبه، فذكروا للنعمان حاجتهم، فاعترضهم الربيع في كلامهم، فقام لبيد، وقد دهن إحدى شقي رأسه، وأرخى إزاره، وانتعل نعلًا واحدة، وكذلك كانت الشعراء تفعل في الجاهلية إذا أرادت الهجاء، فمثل بين يديه ثم قال:
يا ربَّ هيجاهي خير من دعه ... إذ لا تزال هامتي مقزَّعه
نحن بنو أمِّ البنين الأربعة ... ونحن خير عامر بن صعصعه