قال الأعلم: الشاهد فيه نصب يكون بإضمار "أن" على تأويل الاسم في الأول، والتقدير: ألم يقع أن أكون جاركم، ويكون بيني وبينكم المودة، يقول هذا لآل الزبرقان بن بدر، وكانوا قد جفوه، فانتقل عنهم وهجاهم. انتهى.
والبيت من قصيدة للحطيئة يعاتب بها الزبرقان بن بدر، ويمدح ابن عمه بغيض بن عامر من بني أنف الناقة، منها:
ألم أك نائيا فدعوتموني ... فجاء بي المواعد والرجاء
ألم أك جاركم فتركتموني ... لكلبي في جواركم عواء
وآنيت العشاء إلى سهيل ... أو الشعري فطال بي الأناء
ولما كنت جاركم أبيتم ... وشر مواطن الحسب الإباء
ولما كنت جارهم حبوني ... وفيكم كان لو شئتم حباء
ولما أن مدحت القوم قلتم ... هجوت وهل يحل لي الهجاء
ألم أك محرما ويكون بيني ... وبينكم المودة والإخاء
فلم أشتم لكم حسبا ولكن ... حدوث بحيث يستمع الحداء
وقد تقدم سبب هذا العتاب حتى آل إلى الهجاء، فإن الحطيئة كان نزيلا عند الزبرقان بن بدر وهو غائب في المدينة، فقصرت به زوجة الزبرقان، فاحتملها وكان ابن عمه بغيض يحسد الزبرقان، فأطمع الحطيئة، وأنعم عليه، ونقله إلى محله، ولما جاء الزبرقان تخاصم مع ابن عمه، وكاد يتفاقم الأمر، فوقع الصلح على أن يخير الحطيئة في أن يكون نزيل أحدهما، فاختار بغيضا.
وقوله: وآنيت العشاء، أي: انتظرت، والعشاء بالفتح: الطعام الذي يؤكل في أول الليل، وطلوع سهيل والشعري في آخر الليل، والأناء: مصدر لآنيت، وهو الانتظار، وحبوني: أعطوني، والحباء بالكسر: العطاء. وقوله: ألم أك