لا تغتر بما يدلها من أن حبها يقتله, وإنما تملك قلبه, فما أمرته فعله, والمحب إذا أخبر عن مثل هذا صدق, وإن كان المعنى غير هذا الذي عيب عليه, وإنما ذهب مذهبا آخر, وهو أنه أراد أن يظهر التجلد, فهذا خلاف ما أظهره من نفسه فيما تقدم من الأبيات من الحب والبكاء على الأحبة, وقد دخل في وجه آخر من المناقضة, ثم قوله: تأمري القلب يفعل, [معناه]: تأمريني, والقلب لا يؤمر, والاستعارة في ذلك غير واقعة ولا حسنة. انتهى. وقوله: وما ذرلفت عيناك .. الخ, ذرفت: دمعت, ومعنى قوله: إلا لتضربي .. الخ, أي: لتجرحي قلبًا معشرًا, أي: مكسرًا, من قولهم: برمة أعشار إذا تكسرت, وقال الزوزني: استعار للحظ عينيها ودمعها اسم السهم لتأثيرهما في القلوب, وجرحهما إباها, كما أن السهام تجرح الأجسام وتؤثر فيها, والمقتل: المذلل غاية التذليل, وقيل: أراد بالسهمين: المعلى والرقيب من سهام الميسر, والجزور يقسم على عشرة أجزاء, للمعلى سبعة أجزاء, وللرقيب ثلاثة, فمن فاز بهذين فقد فاز بجميع الأجزاء وظفر بالجزور. وتلخيص المعنى على هذا القول: وما بكيت إلا لتملكي قلبي كلهو وتفوزي بجميع أعشاره, والأعشار على هذا جمع عشر, لأن أجزاء الجزور عشرة. انتهى.
وقال الإمام الباقلاني: هذا البيت معدود من محاسن القصيدة وبدائعها, ومعناه: ما بكيت إلا لتجرحي قلبًا معشرًا, أي: مكسرًا من قولهم: برمة أعشار إذا كانت قطعًا, هذا تأويل ذكره الأصمعي, وهو أشبه عند أكثرهم, وقال غيره: هذا مثل للأعشار التي تقسم الجزور عليا, ويعني بسهميك: المعلى, وله سبعة أنصباء, والرقيب, وله ثلاثة أنصباء, فأراد: أنك ذهبت بقلبي أجمع. ويعني بقوله مقتل: مذلل, وأنت تعلم أنه على ما يعني به فهو غير موافق للأبيات المتقدمة