(ونكاح التفويض جائز وهو أن يعقداه ولا يذكران صداقا):
في كلامه تقديم التصديق على التصور ومثله في المدونة وابن الحاجب وقد قدمنا غير ما مرة أنه مجتنب وأكثر ما يجيب به عنه بعض شيوخنا بشعور التصديق بذكر الحكم كما هنا وما ذكر أنه جائز هو كذلك باتفاق قاله الباجي والأصل في ذلك قوله تعالى (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء) [البقرة: 236]
وخرج أو داود عن عقبة بن عامر أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال لرجل: " أترضى أن أزوجك فلانة" قال: نعم، وقال للمرأة: " أترضين أن أزوجك فلانا" قالت: نعم، فزوج أحدهما صاحبه فدخل الرجل بها ولم يفرض صداقا ولم يعطها شيئا وكان ممن شهد الحديبية وله سهم بخيبر فلما حضرته الوفاة قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) زوجني فلانه ولم يفرض لها صداقا ولم أعطها شيئا وإني أشهدكم أني أعطيتها سهمي بخيبر فأخذت سهمه فباعته بمائة الف دينار.
واعلم أن نكاح التفويض أصل وقيست عليه هبة الثواب قال في شفعة المدونة: وإنما جازت هبة الثواب على غير عوض مسمي لأنه على وجه التفويض في النكاح وسمعت بعض من لقيته من القرويين ينقل غير ما مرة أن بعض أهل المذهب جعل نكاح التفويض فرعا وقاسه على هبة الثواب قائلاً: غاب عني موضعه.
قلت: وهو ضعيف للاستدلال المذكور فلا يحتاج إلى قياس وإذا طلق الزوج في نكاح التفويض فلا شيء لها من الصداق اتفاقا وكذلك لا شيء لها في الموت على المشهور وترثه لأنها زوجته ومثله ذكر الشيخ بعد وحكى عبد الحميد الصائغ قولا بلزوم الصداق كالمدخول بها قال ابن بشير وهو قول شاذ.
(ثم لا يدخل بها حتى يفرض لها فإن فرض لها صداق المثل لزمها وإن كان أقل فهي مخيرة فإن كرهت فرق بينهما إلا أن يرضيها أو يفرض لها صداق مثلها فيلزمها):
ما ذكر من أنه لا يدخل حتى يفرض لها معناه إن منعته من الدخول وما ذكر من أن فرضه قبل البناء مستحب وعليه حمل قول المدونة ليس للزوج البناء حتى يفرض وفي المقدمات إنما يجب تسمية الصداق عند الدخول، قال خليل: فظاهره أن التقدير قبل البناء واجب وما ذكر من أنه إذا فرض لها صداق المثل يلزمها هو المذهب وخرج بعض من لقيته من القرويين قولا أنه لا يلزمها إلا أن ترضى من قول مطرف في الهبات إنما يهب الناس ليعاوضوا أكثر، وكنت أجيب بأن النكاح مبني على المكارمة فلا يتخرج والله اعلم.