فإن قيل: ما ذكرتموه معارض بأن ما قاله الكوفيون باطل لأن التجريد من الناصب والجازم أمر عدمي، والرفع أمر وجودي، فكيف يصح أن يكون الأمر العدمي علة لأمر وجودي؟
فجوابه: لا نسلم أن التجريد من الناصب والجازم عدمي لأنه عبارة عن استعمال المضارع على أول أحواله، مخلصًا عن لفظ يقتضي تغييره، واستعمال الشيء والمجيء به على صفة ما ليس بعدمي.
677 - وبلن أنصبه وكي كذا بأن ... لا بعد علم والتي من بعد ظن
678 - فانصب بها والرفع صحح واعتقد ... تخفيفها من أن فهو مطرد
679 - وبعضهم أهمل أن حملا على ... ما أختها حيث استحقت عملا
680 - ونصبوا بإذن المستقبلا ... إن صدرت والفعل بعد موصلا
681 - أو قبله اليمين وانصب وارفعا ... إذا إذن من بعد عطف وقعا
الأدوات التي تنصب المضارع هي: (لن وكي وأن وإذن).
فأما (لن) فحرف نفي مختص بالمضارع ويخلصه للاستقبال وينصبه، كما تنصب (لا) الاسم، وذلك كقولك: لن يقوم زيد ولن يذهب عمرو، ونحو ذلك.
وأما (كي) فتكون اسمًا مخففًا من (كيف) فتدخل على الاسم، والفعل الماضي والمضارع المرفوع، كقول الشاعر: [من البسيط]
601 - كي تجنحون إلى سلم وما ثئرت ... قتلاكم ولظى الهيجاء تضطرم
وتكون حرفًا، فتدخل على (ما) الاستفهامية أو المصدرية، أو على فعل مضارع منصوب. فإذا دخلت على (ما) فهي حرف جر، لمساواتها معها للام التعليل معنى واستعمالا، وذلك قولهم في السؤال عن العلة (كيمه) كما يقولون: (لمه)، وكقول الشاعر: [من الطويل]
602 - إذا أنت لم تنفع فضر فإنما ... يراد الفتى كيما يضر وينفع