ودخل عليه منصور بن عمّار، فأدناه، وقرّبه. فقال له منصور:
لتواضعك في شرفك أحبّ إلينا من شرفك. فقال له: يا أبا السّريّ عظني وأوجز، فقال: من عفّ في جماله، وواسى [1] من ماله، وعدل في سلطانه، كتبه الله من الأبرار. وكان طيّب النفس فكها، يحبّ المزح [2] ويميل إلى أهل العفّة، ويكره المراء في الدّين.
قال عليّ بن صالح: كان مع الرّشيد ابن أبي مريم المديني، وكان مضحاكا، محداثا، فكها، وكان الرّشيد لا يصبر عن محادثته، وكان قد جمع إلى ذلك المعرفة بأخبار أهل الحجاز، ولطائف المجان، فبلغ من خصوصيته به أنه أنزله منزلا في قصره، وخلطه ببطانته وغلمانه، فجاء ذات ليلة وهو نائم وقد طلع الفجر، فكشف اللحاف عن ظهره، ثم قال له: كيف أصبحت؟
فقال: يا هذا ما أصبحت بعد، مر إلى عملك. قال: ويلك قم إلى الصّلاة، فقال: هذا وقت صلاة أبي الجارود [3] وأنا من أصحاب أبي يوسف القاضي، فمضى وتركه نائما، وقام الرّشيد إلى الصّلاة، وأخذ يقرأ في الصلاة الصبح وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي 36: 22 [يس: 22] وأرتج عليه [4] فقال له ابن أبي مريم: لا أدري والله لم لا تعبده. فما تمالك الرّشيد أن ضحك في صلاته، ثم التفت إليه كالمغضب. وقال: يا هذا ما صنعت؟ قطعت عليّ الصّلاة.