يجمل بالمؤمن أن يمضي عليه أربع سنين ولا يتجدد له شوق إلى ربّ العالمين وزيارة سيّد المرسلين [1] وقد ثبت في الحديث النبوي ذلك [2] والعبد له ست سنين عن تلك المسالك، وقد غلب عليه الشوق حتّى فاق عمرو بن طوق، ومن أقصى أمنيته أن يجدّد العهد بتلك المعاهد، ويفوز مرة أخرى تلك المشاهد، وسؤاله من المراحم العلية الصّدقة عليه بتجهيزه في هذا العام قبل اشتداد الحرّ وغلبة الأوام، فإن الفصل أطيب، والرّيح أزيب، وأيضا كان من عادة الخلفاء سلفا وخلفا أنهم كانوا يبردون البريد لتبليغ سلامهم لحضرة [3] سيّد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه، فاجعلني- جعلني الله فداك- ذلك البريد، فلا أتمنى شيئا سواه ولا أريد:
شوقي إلى الكعبة الغرّاء قد زادا ... فاستحمل القلص الوخّادة الزّادا
واستأذن الملك المنعام زيد على ... واستودع الله أصحابا وأولادا
فلما وصل كتابه إلى السلطان كتب على طرّته ما مثاله: إن هذا الشيء ما ينطق به لساني ولا يجري به قلمي، فقد كانت بلاد [4] اليمن عمياء، فاستنارت، فكيف يمكن أن نتقدم وأنت أعلم أن الله قد أحيا بك ما كان ميّتا من العلم، فبالله عليك إلا ما وهبتنا بقية هذا العمر، والله يا مجد الدّين يمينا بارّة إني أرى فراق الدنيا ونعيمها ولا فراقك، أنت اليمن وأهله.