وهو مار بهم واستغاثوا، فقال: ما لهؤلاء؟ قالوا: يتظلمون من ابن المشطوب وأصحابه، وهو راكب بين يديه، فقال له السلطان: لو كان هؤلاء يدعون لك هيهات أن يسمع الله، فكيف وهم يدعون عليك؟ ثم أقطعه صلاح الدّين القدس، فتوفي بها في شوال، وكان ابنه عماد الدّين بن المشطوب من كبراء الأمراء بمصر.
وفيها راشد الدّين أبو الحسن سنان بن سلمان [1] ، مقدّم الإسماعيلية، وصاحب الدعوة بقلاع الشام، وأصله من البصرة.
قدم إلى الشام في أيام نور الدّين الشهيد، وأقام في القلاع ثلاثين سنة، وجرت له مع السلطان صلاح الدّين وقائع وقصص، ولم يعط طاعة قطّ، وعزم السلطان على قصده بعد صلح الفرنج، وكان قد قرأ كتب الفلسفة والجدل.
قال المنتجب: أرسلني السلطان إلى سنان مقدّم الإسماعيلية ومعي القطب النيسابوري، وأرسل معنا تخويفا وتهديدا فلم يجبه، بل كتب على طرّة كتاب السلطان:
يا ذا الذي بقراع السيف هدّدني ... لا قام مصرع جنبي حين تصرعه
قام الحمام على البازي يهدّده [2] ... وكشّرت لأسود الغاب أضبعه
إنّا منحناك عمرا كي تعيش به ... فإن رضيت وإلّا سوف ننزعه
أضحى يسدّ فم الأفعى بإصبعه ... يكفيه ماذا تلاقي منه أصبعه