الحريري المذكور، واشتغل عليه بالبصرة وتخرّج به، وروى عنه القاضي أبو الفتح محمد بن أحمد بن المندائيّ [1] الواسطي ملحة الإعراب وذكر أنه سمعها منه عن الحريري، وقال: قدم علينا واسط سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، فسمعنا منه، وتوجه منها مصعدا إلى بغداد، فوصلها وأقام بها مدة يسيرة، وتوفي بها، وكذا ذكره السمعاني في «الذيل» والعماد في «الخريدة» وأما تسميته الراوي [لها] بالحارث بن همّام، فإنما عنى به نفسه وهو مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم: «كلّكم حارث وكلّكم همّام» [2] فالحارث الكاسب، والهمّام الكثير الاهتمام، وما من شخص إلّا وهو حارث وهمّام، لأنّ كل أحد كاسب ومهتم بأموره.
وقد اعتنى بشرحها خلق كثير، فمنهم: من طوّل ومنهم من اختصر.
ورأيت في بعض المجاميع أن الحريري لما عمل «المقامات» عملها أربعين مقامة، وحملها من البصرة إلى بغداد، وادعاها فلم يصدقه جماعة من أدباء بغداد، وقالوا: إنها ليست من تعليقه [3] بل هي لرجل مغربي من أهل البلاغة، مات بالبصرة، ووقعت أوراقه إليه فادعاها، فاستدعاه الوزير إلى الديوان، وسأله عن صناعته، فقال: أنا رجل منشئ، فاقترح عليه إنشاء رسالة في واقعة عيّنها، فانفرد في ناحية من الديوان، وأخذ الدواة والورقة،