ذلك، وكتمه عن أبيه وأهله، ومات الرّواحيّ على القرب من ذلك، وأوصى له بكتبه، فعكف على درسها مع فطنته، فلم يبلغ الحلم حتى تضلع من علوم الباطنية الضلالية الأوهامية الإسماعيلية متبصرا في علم التأويل المخالف لمفهوم التنزيل، ثم صار يحجّ بالنّاس دليلا في طريق السّررات [1] والطائف خمس عشرة سنة، وشاع في الناس أنه يملك اليمن بأسره، وكان يكره من يقول له ذلك، فلما كان سنة تسع وعشرين وأربعمائة، ارتقى جبل مسور وهو أعلى جبال اليمن ذروة ومعه ستون رجلا قد حالفهم بمكّة على الموت، فلما صعده لم ينتصف النهار حتّى أحاط به عشرون ألف ضارب، وقالوا: إن نزلت وإلّا قتلناك بالجوع، فقال لهم: لم أفعل ذلك إلّا خشية أن يركبه غيرنا ويملكونكم، فإن تركتموني وإلّا نزلت، فانصرفوا عنه، فبنى فيه بعد هذا واستعد بأنواع العدّة، واستفحل أمره، وكان يدعو للمنتصر العبيدي الباطني صاحب مصر خفية، ويخاف من نجاح صاحب تهامة اليمن ويداريه، حتّى قتله بالسم مع جارية جميلة أهداها له بالكدراء، ثم استأذن المنتصر في إظهار الدعوة فأذن له، فطوى البلاد، وافتتح الحصون سريعا، وقال في خطبته في جامع الجند: في مثل هذا اليوم يخطب على منبر عدن، ولم يكن ملكها بعد، فقال بعض من حضر: سبّوح قدّوس [2] فالله أعلم، قالها استهزاء أو تعظيما، وكلا الأمرين لا ينبغي، وإن كان أحدهما أهون من الآخر، فكان