قال ابن منظور: التأريخ: تعريف الوقت، والتوريخ مثله، أرّخ الكتاب ليوم كذا: وقّته، والواو فيه لغة، وزعم يعقوب [1] أن الواو بدل من الهمزة، وقيل: إن التأريخ الذي يؤرخه الناس ليس بعربي محض، وإن المسلمين أخذوه عن أهل الكتاب، وتأريخ المسلمين أرّخ من زمن هجرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كتب في خلافة عمر رضي الله عنه، فصار تاريخا إلى اليوم [2] .

وقال ابن خلدون: اعلم أن فن التأريخ فن عزيز المذهب، جمّ الفوائد، شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه [3] في أحوال الدّين والدّنيا، فهو محتاج إلى مآخذ متعددة، ومعارف متنوعة، وحسن نظر وتثّبت يفضيان بصاحبهما إلى الحق، وينكبان به [4] عن المزلّات والمغالط، لأن الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل ولم تحكم أصول العادة وقواعد السياسة وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني، ولا قيس الغائب منها بالشاهد، والحاضر بالذاهب، فربما لم يؤمن فيها من المغالط في الحكايات والوقائع، لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثّا أو سمينا، ولم يعرضوها على أصولها، ولا قاسوها بأشباهها، ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات، وتحكيم النظر والبصيرة في الأخبار، فضلّوا عن الحق، وتاهوا في بيداء الوهم والغلط، ولا سيما في إحصاء الأعداد من الأموال والعساكر إذا عرضت في الحكايات، إذ هي مظنّة الكذب، ومطيّة الهذر، ولا بدّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015