المنتصر وأبا إسحاق وأبا بكر وأبا حفص، وفي هاته السنة توفي السلطان الشهير الذكر الجليل القدر صلاح الدين الأيوبي.
واعلم أنه لما تأسست الدولة الحفصية انتقل سرير الملك لتونس بعد أن كان بالمهدية واستقام أمرها وشاع ذكرها وتراجع العمران بإفريقية وتتابع وبلغت أوج العلاء وبسطة الملك وصارت دار علم تلقاه فحول عن فحول وصارت تونس منبت عز تشد إليها الرحال من سائر الأقطار والأمصار والفضل في ذلك لأبي زكرياء المذكور نوّه بذكره ولي الدين بن خلدون وغيره وقال: سند تعليم العلم قد كاد أن ينقطع من المغرب بإخلال عمرانه وتناقص الدولة فيه وما يحدث عن ذلك من نقص الصنائع أو فقدانها وذلك أن القيروان وقرطبة كانتا حاضرتي المغرب والأندلس واستبحر عمرانهما وكان فيهما من العلوم والصنائع أسواق فائقة وبحور زاخرة ورسخ فيهما التعليم لامتداد عصورهما فلما حربنا انقطع التعليم من المغرب إلا قليلاً ثم تراجع. وفي كتاب اللقطة من شرح الأبي على صحيح مسلم: لم يزل الشيوخ يحكون عن كثرة ما كان بتونس من الخير.
حكي أنه بقي دينار ملقى بطريق العطارين مدة لم يرفعه أحد ثم بعد ذلك لم يوجد فقال الناس اليوم دخل لبلدنا غريب وحين كانت قاعدة الموحدين مراكش وكانت القضاة يأتون لتونس منها فاتفق أن قدم إليها قاض من مراكش فجلس للحكم فبقي أياماً لا يأتيه أحد من الخصوم فظن أن الناس لم يرضوا به ثم قدم إليه يوماً خصمان من سوق الجبة فقال أحدهما للآخر: أصلحك الله إن هذا شريكي وقد باع جبة من العرب وأنا لا أستحل دراهم العرب فحينئذ علم القاضي أن عدم إتيان الخصوم إليه إنما هو لتناصفهم واتباعهم الحق اهـ. وفي أيامه تقدم القضاء أبو زيد عبد الرحمن بن نفيس ثم استعفى فتقدم عوضه أبو زيد عبد الرحمن التوزري المعروف بابن الصايغ وفي أيامه سنة 638 هـ توفي الولي العالم أبو سعيد الباجي بن خلف يدعى التميمي.
قد علمت مما تقدم أن الدولة الأموية انقرضت سنة 428 هـ وتفرقت الأندلس إلى ممالك ملوكها تعرف بملوك الطوائف وبذلك رجع أمر الأندلس للقهقرى ثم جدد الموحدون الرونق الذي كان لها زمن الأموية فقد جدد كل من عبد المؤمن ويوسف ويعقوب مجدها وحاموا عن العلوم والصنائع وعملوا بالشريعة الإِسلامية وأسسوا مدارس عامة وأخرى للشبان وغمروا بعطاياهم علماء الإِسلام واشتهر في زمنهم